أربعينية اتفاق الرياض .. هل ينفذ الإخوان الأجندة التركية القطرية في اليمن؟ “تقرير خاص”
أصبحت اختراقات الشرعية اليمنية واضحة للعيان فيما يخص تنفيذ بنود اتفاق الرياض الذي وُقِّع في العاصمة السعودية الرياض في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2019م، بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية اليمنية، والأمر الجيد أن دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على علم بكل تلك الاختراقات، ما يمهد لموقف قوي للتحالف ضد الشرعية لا سيما وأن المجلس الانتقالي ملتزم بتنفيذ بنود اتفاق الرياض، ويعمل على إنجاح الاتفاق الذي يعتبر “اتفاقًا تاريخيًا”.
ورقة الشرعية لإفشال اتفاق الرياض
وتحاول الشرعية بشتى السبل إفشال اتفاق الرياض، ما يظهر واضحاً في تجلي جملة من الأزمات التي كان لها تأثير سلبي على بعض المكونات الجنوبية، ولعل المشكلات التي مر بها المنتسبون في صفوف الألوية العسكرية والقوات الأمنية التي تخضع لسيطرتها تعد واحدة من الأدوات التي تستخدمها لإرباك الجنوب والتحالف العربي.
وتلعب الشرعية بورقة المنتسبين إذ تحاول تأخير مستحقاتهم المالية وذلك لتوصيل رسالة للتحالف العربي بأن تطبيق الترتيبات العسكرية الخاصة باتفاق الرياض لن يتم على أرض الواقع، وأنها لا يمكن أن تثق في أبناء الجنوب، أو بالأحرى أنها لا ترغب بالأساس في مواجهة المليشيات الحوثية وبالتالي فهي تسعى أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه الآن، حتى لا تتكشف خيانتها.
وتسعى الشرعية من خلال تلك الأفعال المريبة أن توجه الدعم المالي إلى المرتزقة الذين جيّشهم الإصلاح لإعادة التمركز في بعض محافظات الجنوب مرة أخرى بعد أن فروا هاربين إلى مأرب في أعقاب أحداث شهر أغسطس/آب الماضي، فيما يبدو واضحا أن هذه الأموال قد تذهب إلى عناصر إرهابية قد يجري الاعتماد عليهم في مواجهة أبناء الجنوب.
واتهم كوادر وقيادات ومنتسبو وزارة الداخلية، حكومة الشرعية بتعمد إعاقة تنفيذ اتفاق الرياض لإغراق البلاد في الفوضى.
وأبدى منتسبو الوزارة في بيان، غضبهم من السلوك الذي تتعامل به حكومة الشرعية تجاه القضايا الأساسية، وتنصلها من واجباتها والتزاماتها في معالجة الأوضاع الأمنية والخدمية.
ونوّه البيان إلى أن الحكومة تواصل البطء في تنفيذ الإجراءات التي أُسندت إليها بموجب اتفاق الرياض وفي مقدمتها صرف الرواتب المتأخرة لمنتسبي الداخلية والجيش.
ودعا البيان، كافة المواطنين والمنظمات الحقوقية والمدنية للتضامن والوقوف إلى جانب منتسبي الوزارة لمواجهة ما يتعرضون له من ظلم.
والشهر المنصرم نظّم منتسبو اللواء 39 مدرع بعدن، وقفة احتجاجية، احتجاجًا على مصادرة رواتبهم والامتناع عن صرفها، بالإضافة إلى استدعائهم لشقرة، مطالبين بمحاكمة عاجلة للواء الصبيحي الذين وصفوه بـ”أحد رموز الفساد التابع للإرهابي علي محسن الأحمر”.
وبعد أيام من توقيع اتفاق الرياض أوقفت الشرعية رواتب منتسبي قوات الجيش والأمن الجنوبي، قبل أن تتراجع تحت ضغوطات التحالف العربي الذي كان يحاول تنفيذ بنود الاتفاق من دون عراقيل.
وفي ذلك الحين احتشد المنتسبون أمام مكتب الأمم المتحدة في العاصمة عدن، وبعثوا برسالة إلى ممثل الأمم المتحدة في عدن تضمن ما تقوم به مليشيا الإخوان في حكومة الشرعية، من توقيف رواتب الجيش والأمن في المنطقة العسكرية الرابعة.
دلالات التزام الجنوب باتفاق الرياض
وتحاول أبواق قطر وتركيا تأليب الرأي العام الجنوبي ضد المجلس الانتقالي الجنوبي في أعقاب الانتهاكات المتتالية لاتفاق الرياض، وتلعب تلك القنوات والصحف على وتر أن المجلس يصمت أمام خروقات الشرعية للاتفاق، ومحاولة الإيهام بأنه لن يستطيع الدفاع عن الأراضي الجنوبية، وهي ممارسات اعتاد الجنوب عليها من تلك الأبواق التي تسعى لتحقيق خطط إخوانية لإفشال اتفاق الرياض.
في حين أن التزام المجلس الانتقالي بالاتفاق يحمل جملة من الأهداف السياسية التي يأتي على رأسها تفويت الفرصة على محور الشر (القطري الإيراني التركي) لتجاوز اتفاق الرياض، والعودة إلى أوضاع ما قبل التوقيع عليه، إذ أن تلك الرغبة تضمن بقاء الشرعية بهيئتها الحالية، وتسمح بانفلات الأوضاع الأمنية في الجنوب مرة أخرى، بالإضافة إلى أن المجلس الانتقالي يدرك جيداً أن إقدامه على خرق الاتفاق من جانبه سيعطي تبريرات مجانية للشرعية والتي تبحث عن أي ثغرة للتأكيد على عدم مسؤوليتها عما يجري حالياً من أحداث، وكذلك فإن التجاوب مع ممارسات الشرعية يُصعب من مهمة التحالف العربي في تنفيذ الاتفاق على الأرض ويمنع تضييق الخناق على الشرعية.
وإلى جانب الأهداف السياسية فإن هناك أسبابًا أخلاقية بالنسبة لأبناء الجنوب، والذين يلتزمون بالعهود والمواثيق التي وقعوا عليها، وهو جانب أخلاقي يقوي من علاقة المجلس بالتحالف العربي.
ولعل ذلك ما دفع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الرئيس عيدروس الزُبيدي مطلع الأسبوع الجاري لتوجيه أعضاء الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية بالعاصمة عدن بضرورة تعزيز العمل لإنجاح اتفاق الرياض.
وشدد الرئيس الزُبيدي، خلال الاجتماع الذي ترأسه للهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس بالعاصمة عدن، على أن اتفاق الرياض هو المفتاح واللبنة الأولى لإنجاز الهدف الأسمى لشعب الجنوب المتمثل في التحرير والاستقلال واستعادة الدولة، داعياً إلى مزيد من العمل الميداني وتلمّس احتياجات أبناء العاصمة والعمل على توفيرها وفق ما هو متاح من إمكانيات.
ونوّه إلى وقوف قيادة المجلس مع القيادة المحلية بالعاصمة، ودعمها بما يمكّنها من أداء مهامها لخدمة أبناء العاصمة الذين عانوا أكثر من غيرهم في جميع المجالات.
فيما قدم أعضاء الهيئة التنفيذية للرئيس الزُبيدي شرحًا مفصلًا عن البرامج والأنشطة التي نفذتها الهيئة خلال الفترة الماضية لتطبيع الحياة في العاصمة.
وتبدي القيادة السياسية الجنوبية، ممثلة بالمجلس الانتقالي، التزامًا كاملًا ببنود الاتفاق؛ إدراكًا منها لأهمية هذه الخطوة على صعيد ضبط بوصلة الحرب على المليشيات الحوثية، بعدما شوّه مسارها حزب الإصلاح الإخواني الإرهابي، المخترِق لحكومة الشرعية.
وكان المجلس الانتقالي جدد الأسبوع الماضي التزامه بتنفيذ اتفاق الرياض وفقًا لآلياته المحددة، لكن ذلك جاء بالتوازي مع استعدادات عسكرية لمواجهة خروقات الشرعية، حيث استقبل الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، عددًا من قيادات الألوية العسكرية على رأسهم قادة اللواءين 11 صاعقة، وتدخل سريع المتمركزين في محافظة أبين.
القواسم المشتركة بين الحوثي والشرعية
مضى قرابة الـ(40) يوماً من توقيع المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية على اتفاق الرياض، في الوقت الذي مر فيه عام كامل على توقيع اتفاق السويد أو ما يعرف بـ “ستوكهولم” بين الحكومة اليمنية والمليشيات الحوثية، في ظل وجود مشتركات عدة تبرهن على أن الأطراف الإقليمية الداعمة للحوثي والإصلاح الذي يتستر بغطاء الشرعية غير جادين في التوصل إلى اتفاق سياسي في الوقت الحالي.
أول هذه المشتركات أن الطرفين (الحوثي والإصلاح) لديهم قدرة فائقة على المراوغة وتضييع الوقت، وهو ما يظهر خلال فترات التفاوض التي طالت في الاتفاقين، وبالتحديد في اتفاق الرياض الذي جرى التوقيع عليه بعد أكثر من شهرين من المراوغات الإصلاحية، وبالتالي فإن تنفيذ بنود الاتفاقين على أرض الواقع واجهها مشكلات مراوغات مماثلة أفضت في النهاية لعدم تطبيق أيّ منها.
أما عن ثاني هذه المشتركات فهي تتمثل في الانتهازية السياسية لدى الطرفين، إذ أن المليشيات الحوثية تسعى لبقاء الأوضاع كما هي الآن، من دون أن تخسر مواقعها التي سيطرت عليها بفعل الانقلاب على الشرعية، وبالتحديد الساحل الغربي؛ لأنها تدرك أنه منطقة استراتيجية تحقق هدف إيران الأسمى بالسيطرة على باب المندب.
الأمر ذاته بالنسبة لمليشيات الإصلاح المهيمنة على الشرعية، وهي تسعى لاستمرار هيمنتها أطول فترة ممكنة؛ لأن اتفاق الرياض سيجردها من تلك الهيمنة بنصه على تشكيل حكومة يشارك فيها المجلس الانتقالي الجنوبي وبعض القوى السياسية اليمنية الأخرى، وبالتالي فإن الانتهازية السياسية والرغبة في استمرار الأوضاع كما هي الآن يساهم في تأخير تنفيذ بنود اتفاق الرياض حتى الآن.
ثالث المشتركات بين الطرفين تتمثل في الاعتماد على الخروقات المتعددة لكلا الاتفاقين بما يؤدي إلى تأزم تطبيقهما، ففي حالة اتفاق ستوكهولم بادرت المليشيات الحوثية بخرق الاتفاق بعد الساعات الأولى من التوقيع عليه، وهو ما جرى أيضاً بالنسبة لاتفاق الرياض بعد أن أقدمت الشرعية على التحريض ضد أبناء الجنوب بل قامت بإرسال مليشياتها وكأن شيئاً لم يحدث.
المشترك الرابع بين الطرفين أن هناك طرفًا إقليميًا واحدًا يقدم الدعم والرعاية إلى كلٍ منها، في ظل التحالف القطري الإيراني الذي يسعى لاستمرار الأزمة اليمنية وإطالة أمد الحرب وإفشال جهود التحالف العربي، وبالتالي فإن التصرفات تبدو متماثلة في كلا الاتفاقين، وفي المقابل فإن هناك جملة من الاختلافات تزيد من فرص نجاح تنفيذ اتفاق الرياض على الأرض، إذ أن هذا الاتفاق جاء برعاية التحالف العربي والذي يعول الجميع على دوره في إنهاء خروقات الشرعية والتعامل معها بحزم، في حين أن اتفاق ستوكهولم جاء برعاية مباشرة من الأمم المتحدة التي تقاعست عن مهمتها في حماية الاتفاق وضمان تنفيذ بنوده.
بجانب أن المجلس الانتقالي الجنوبي لن يسمح بتكرار ما جرى في اتفاق ستوكهولم، ولديه من الأوراق السياسية والعسكرية التي تمكنه من الضغط على الإصلاح وإرغامه على الرضوخ لتنفيذ بنود الاتفاق بالتعاون مع التحالف العربي، في حين أن الحكومة اليمنية لم تمارس أي ضغوطات سياسية أو عسكرية على المليشيات الحوثية لدفعها نحو تنفيذ اتفاق السويد، وهو ما يرجح كفة إمكانية تنفيذ اتفاق الرياض.
قوات الجنوب تتصدى لمليشيات الإخوان
تسعى قوى إخوانية منذ تحرير محافظات الجنوب من الغزو الحوثي العفاشي في صيف 2015م، إلى إيجاد موطئ قدم لها في محافظات الجنوب، وتحديدًا في عاصمة الجنوب (عدن).
وحاولت قطر وتركيا عبر الوكيل الشرعي لها والحصري في محافظات الجنوب (الإخوان المسلمين) تمرير المخطط والأطماع التركية القطرية عبر أذرعها والأجندة التابعة لها المزروعة في عباءة وثوب وقناع الحكومة الشرعية اليمنية.
الأخطبوط التركي القطري الذي سعى ليل نهار من أجل اختراق أسوار وأبواب محافظات الجنوب، ومحاولة التوغل في جسد الجنوب وتكبيل وتقييد تحركاته وخطواته، ومد جسور مشاريعه على أرضه بأدوات وأجندة الإخوان المسلمين. كل ذلك كان له صد وردع سياسي وعسكري من قبل القوات المسلحة الجنوبية، ومن العقول السياسية والدبلوماسية التي شكلت جبهةً وحصنًا منيعًا ضد تلك التحركات والخطوات التركية القطرية عبر الراعي الرسمي والذراع الظاهر للعلن الإخوان المسلمين.
واليوم تتجلى تلك الأجندة التركية القطرية إلى محاولة الكرة مجدداً، واختراق الحصون السياسية والعسكرية في محافظات الجنوب عبر خروقات وتجاوزات ومؤامرات واضحة.
يراقب الجميع عن كثب تحركات وخطوات الأجندة التركية القطرية عبر الإخوان المسلمين على أرض الواقع في الجنوب، بعد التوقيع على اتفاق الرياض، حيث سعى الإخوان كثيراً ومنذ فترة طويلة إلى محاولة تمرير المخطط والأطماع التركية القطرية في محافظات الجنوب المحررة، ولكنها تنصدم وتجد مقاومة عسكرية وسياسية دبلوماسية جنوبية متينة على الأرض.
قيام الإخوان المسلمين بالدفع بما يقارب بـ(5) ألف مقاتل من ميليشياتهم صوب العاصمة عدن تحت غطاء وثوب وجلباب جنود الألوية الرئاسية، وبعد مواجهات دامية ومعارك عادت تلك القوات الإخوانية إلى معقلها في مأرب بفضل التصدي القوي من قبل القوات الجنوبية.
ومن هنا تلوح في الأفق تساؤلات الجنوبيين وتضع على طاولة التحالف العربي: لماذا تتحرك تلك القوات الإخوانية بحرية دون تحريك ساكن من التحالف العربي؟
خروقات حكومة الشرعية الإخوانية
أربعون يومًا من التوقيع على اتفاق الرياض وتنفيذه على أرض الواقع في الجنوب.. أربعون يومًا وماتزال المياه راكدة في كل نقاط ومسودة اتفاق الرياض التي وقعت عليها الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة السعودية الرياض.
ما يحدث اليوم لا ينذر أو يطلق تباشير بحدوث وحصول مؤشرات إيجابية، أو يعطي مؤشرًا بأن هناك اتفاق وهناك أطراف ضامنة لتنفيذه والضغط على تطبيقه وحدوثه على الأرض، خصوصا مع الخروقات الكبيرة التي قامت بفعلها حكومة الشرعية الإخوانية.