الجنوب والحاجة إلى حوار شامل
مصطفى احمد النعمان
التقيت عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك وهاشم السيد وعددا من أعضاء المجلس الانتقالي قبل أقل من عامين في أبو ظبي على افطار رمضاني في منزل الأخ والصديق الشيخ محمد بن فريد العولقي، ودار حوار قصير حول انفصال الجنوب .
قلت للحاضرين انني كنت ـ ولازلت ـ من الداعين الى إقليمين شمالي وجنوبي في ظل دولة اتحادية، مع فرصة لاستفتاء بعد زمن محدد.. كانت فكرة ادعمها منذ سبتمبر 1993 بعد ان اطلقها الأستاذ سالم صالح محمد (كان حينها عضو مجلس الرئاسة والأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي) وعرضها في عدن، بحضور الاستاذ محمد سعيد عبدالله (كان وزيرا للإسكان)، علي وعلى الصديق الراحل عبدالحبيب سالم مقبل (اول عضو مجلس نواب يقدم استقالته احتجاجا على سؤ إدارة مجلس النواب حينها، رافضا استمرار استلام مكافأة شهرية كانت تقترب من مليون ريال يمني حينها).
قامت القيامة ضد سالم صالح ورفضها كل الشماليين حينها وأعلن الأستاذ محمد سالم باسندوة (وزير الخارجية يومها) ادانته لها معبرا عن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح…
ماتت الفكرة ثم أعيد بعثها في نصوص وثيقة العهد والاتفاق مع تعديل بأن تكون من عدة أقاليم يتم التوافق على حدودها… ثم كانت (الوثيقة) هي ثقاب حرب صيف 1994 التي قامت تحت شعار (الوحدة او الموت).
اثناء الحرب، في شهر يونيو 1994 ، التقيت لأول مرة في دمشق برئيس اليمن الجنوبي السابق علي ناصر محمد، وأتذكر اني قلت له حرفيا (الوحدة في نظري هي ان يتمكن أي يمني من اختيار مكان إقامته وعمله سواء في صعدة او المهرة، وان يتمتع بحرية التنقل دون حواجز ولا براميل)… رفض علي ناصر الامر واعتبره دعوة للانفصال.
بالعودة الى حديثي مع رئيس وأعضاء المجلس الانتقالي قلت ان الانفصال ليس ورقة طلاق شرعية يلقيها الزوج ليصبح ناجزا، وانها تستوجب اتفاقات محلية واقليمية ودولية لإعلان الفراق… لم يقبل اَي من الحاضرين مناقشة الامر.. وانتهى الحديث.
ما حدث في عدن هو مسعى لتثبيت امر واقع كما فعل الحوثيون في الشمال ولم يفلحوا، ولا أتصور اليوم ان المجلس الانتقالي يتوهم إمكانية ان يكرر الفعل!
انا على يقين ان الوحدة القائمة لم تعد ممكنة ولا يجوز ان تبقى بالفرض، لكن ايضا انا مقتنع انها بالطريقة التي يبتغيها المجلس الانتقالي لن تكون الا مقدمة لكارثة متجددة، وتهيئة لصراع لن يتوقف عند الحد الذي وصلنا اليه.
اني أتمنى قيام حوار شامل تحضره القوى الفاعلة الحقيقية تستجيب مخرجاته الى رغبة الجنوب في تقرير مصيره دونما حاجة الى العناد ولا اللجوءالى القوة التي تستطيع ان تفرض رغبات حاملي السلاح وأنصارهم، ولكنها لن تتمكن من العيش بسلام مع محيطها الداخلي الضيق والأوسع ولا مع الإقليم.
على اصحاب القرار أينما كانوا ان يتذكروا الحكمة الشعبية (حتى الجنان يحتاج لشوية عقل)… وإلا عدنا الى القصيدة الشعبية:
(يا قافلة عاد المراحل طوال.. وعاد وجه الليل عابس).