كي تنتصر السعودية.. وتنتصر اليمن أيضاً
في لحظة فارقة في الحرب العربية على الذراع الإيرانية في عروس البحر الأحمر اليمنية، وجد اليمنيون أعناقهم ملويَّة صوب “ستوكهولم”، بدلاً من ”الحديدة”. وبدون أية خطة أو رؤية أو حتى ملف، رأينا وفداً شرعياً يصافح وفداً حوثياً، على لا شيء، إلا منح مبعوث الأمم المتحدة ادعاءً جديداً لا يختلف عن ادعاء عبدالملك الحوثي، الأخير يدَّعي أنه مصدر الولاية، وجريفث يدَّعي أنَّ السويد ستأتي لليمنيين بالسلام، وكل منهما كذاب أو يكذب في هذه على الأقل.
كان الحديث أنَّ ذلك ضمن جهود لتخفيف الضغط على قيادة تحالف دعم الشرعية من الأشقاء في المملكة العربية السعودية، فضمن الصراع العالمي هناك أطراف تبتز التحالف، وهناك أضرار فعلية للحرب هذه على السعودية واليمن معاً.. ولذا كان لزاماً على اليمنيين، حلفاء السعودية أن يتفهموا الموقف، فليس في صالح اليمنيين، أبداً، أي أضرار إضافية بالشقيقة التي تحاول تحديث أدائها، وتواجه ضغوطاً هائلة كي تعيق هذا التحديث، واليمن هي فقط عذر على طاولة الابتزاز.. ومع ذلك، شعرنا بوجع كبير، لتعطيل الحرب هناك، وانتظرنا القادم.
وفيما كان اليمنيون يتوجعون على الحديدة، فاجأتنا الشرعية بأنْ فتحت الطريق في إب والضالع للحوثي، تماماً كما فعلت بنفس الطريقة.. بنفس الخطاب.. بنفس الأداء من دماج وحتى التواهي في 2014، مع فارق أنها كانت تتعذر بالزعيم، فيما هي اليوم عارية من كل عذر.. وهذه المرة انشغلت مع جزء محترم من المملكة العربية السعودية في حفلات كرنفالية عن اجتماع مجلس النواب، لكأنَّ الحوثي عبارة عن جماعة تخرجت من كامبردج، سيهمها المادة العاشرة من الدستور والأغلبية والأقلية والتصويت.. كأنها لم تطوق البرلمان في مقره الأساس، وأغلقته ببندقيتين، وهو لا يزال في مركزه.
وبالطبيعة، وجد الحوثي وقتاً كافياً لتجهيز مفخخاته، فأرسلها إلى هامش من مصافي أرامكو داخل الحدود السعودية، الدولة التي فرضت على الشرعية، كما قال سفيرها، القبول بالسلام.. بالتزامن مع اشتداد التهديدات الإيرانية للمنطقة، قبل حتى أن تتحرك إيران في العراق ولبنان كان الحوثي قد تحرك إلى أرامكو، كما فعل في كل المحطات اليمنية طيلة سنوات الحرب.
ومما يؤسف له أنَّ كل حروب الحوثي، في العود والحُشاء، وطيلة شهر كامل، لم تحدث أي تأثير لدى قيادة التحالف العربي، لكي تسائل الشرعية عما هناك.. بعدها بأسابيع كانت حوادث الفجيرة وأرامكو.. فقرأنا لنائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، ولوزير الخارجية عادل الجبير، تغريدات تستعيد جوهر المعركة مع الحوثي، الذراع الإيرانية التي تبيع اليمن في صراع إقليمي ضد اليمنيين والسعوديين في وقت واحد..
ولأنها حرب في الميدان، فإني كمواطن يمني أسأل: ماذا بعد تلك التغريدات، يا صاحبي السمو والسعادة؟
متى سيتم تقييم أداء الذات والخصوم؟
متى ستخضعون الشرعية للتقييم.. ومتى ستخضعون البرامج السعودية المختلفة لذات التقييم؟ وهي التي أصبح يديرها شخص واحد، في سابقة لم تحدث في كل تاريخ العلاقات بين اليمن والسعودية، أن تجتمع لمعالي السفير محمد آل جابر العمل الدبلوماسي والأمني والاقتصادي، ومؤخراً أضاف له الإعلامي، فالرجل يكاد يتحول صحفياً وناشطاً اجتماعياً.
ما هي طبيعة المعركة التي تدخلها المنطقة اليوم؟ لم يعد الأمر صراعاً بين علي محسن والمقدشي، سنحلها بزيادة الاعتماد الشخصي، ولا بين حميد الأحمر وناصر منصور هادي ورشاد العليمي.. الصراع يستهدف المنطقة برمتها، يستهدف بالتحديد مشروع ولي العهد السعودي في تحديث أداء دولته، لقد سمعنا جميعاً الرجل يقول إنه يسعى لتحويل المنطقة إلى أوروبا أخرى.. هذا حتى لو لم تكن هناك إيران، سيستفز قوى العجز والمخاوف.. فما بالكم في ظل وجود إيران والقاعدة وداعش، وقواعد التخلف العظمى ديناً ودنيا في منطقتنا..
بالله عليكم، هل يمكن مواجهة كل هذا التحدي بمثل هكذا أدوات؟ وهكذا حلفاء.. لا يمكن فعل الشيء ونقيضه بنفس الأدوات.. يمنياً، حين اجتمع البرلمان بنسخته الشرعية في سيئون، كان ذلك داعياً كبيراً لكي يدرك الأشقاء في السعودية أن هذا عبث، هذا البرلمان هو نفسه الذي في عهده مرت كل الأزمات والمشكلات.. نفس الوجوه هي صانعة الأزمات نفسها، لا نريد منها إلا أن تعترف وتبقى في الهامش، وتقول لليمنيين، لم نحمِكم من الحوثي، ولم نبقِ لكم دولة.. فتصرفوا الآن.
برلمان يستهلك ميزانية ضخمة على نفقة السعودية بلا أي جدوى، لكأنَّ من رتّب لهم يريد أن يقول لليمنيين: لم ولن تتغير السعودية، ما قاله ولي عهدها يبدو بعيد المنال، فهي تدير الشأن اليمني كما لو أننا في القرن الماضي.. ما قبل جهيمان، ما قبل القاعدة، ما قبل سبتمبر، كأنَّ علي عبدالله صالح وعبدالله بن حسين الأحمر لا يزالان هما السعودية في اليمن.. ما قبل رابعة والربيع وقطر وحظر الإخوان.. ما قبل حزب الله والحوثي وإيران.. ما قبل محمد بن سلمان.
جيش وطني لمكافحة الفقر، من -إذاً- سيحارب؟
وشرعية، يزدحم قادة جيشها على الولائم والحفلات.. من، إذاً، سيحارب؟ من سيعيش مع الناس أوجاعهم كي يعيشوا معه تحدياته؟
كيف يمكن لنا أن ندرك التحديث في رؤية السعودية تجاه الأزمة في اليمن، نحن بحاجة للسعودية الجديدة يمنياً، دولة التحليل للمشكلات والتصورات العلمية والعملية للحلول.. ما هي مشكلة اليمن؟ هل في مركزها.. هل في دولتها.. هل في علاقتة مواطنيها ببعضهم.. لقد قام الربيع العربي في المنطقة فعبث بها، فكيف تقف السعودية ضد الربيع العربي في كل مكان الا في اليمن تقف معه ومع تقييمه للماضي والحاضر والمستقبل؟
لقد كان الاختلاف مع الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح واحداً من الأخطاء المشتركة بين الطرفين، وقد دفعنا نحن أنصاره ثمناً باهظاً بسبب هذا الاختلاف في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة.. واستشهد هو، رحمه الله، وفشلت مراهنتنا على جماعة الموت والصراع التي فجأة بدأنا نسمع أصواتاً سعودية تتحدث عن الحل السياسي معها، كأنَّ المشكلة كانت وجود علي عبدالله صالح وليس سلاح الحوثي وعلاقته ورؤيته..
فلتكن هذه آخر الأخطاء الفادحة إذاً، وليعَد تقييم الأدوات التي أوصلت اليمن إلى هذا الوضع المأساوي.. كل يمني أثرى من أزمة بلاده، كيف يمكن الركون عليه في حل مشكلات عميقة جداً بحجم الدخول في حروب وصراع مع إيران؟
ما هي الرؤية لليمن؟
لقد سمعنا ولي العهد يتحدث عن رؤيته لمناطق الاقتصاد.. فماذا بشأن اليمن؟ من هم حلفاء وخصوم المشروع الطموح لك يا ولي العهد وزير الدفاع.. ولكما يا نائبه ووزير خارجيته؟ هناك اليوم، تحريض ثابت ضد العلاقات اليمنية – السعودية، نحن كنا جزءاً منه، وبسبب أخطاء مشتركة بين الجانبين فإن إرث التعاون في تطبيع العلاقات بين البلدين على مدى 33 عاماً، انتهى لتحريض موجع أذهب اليمن وأعاد العلاقة اليمنية- السعودية إلى نقطة الصفر..
جنوباً، تصور السعودية خصماً للقوى الجنوبية كأننا في حرب 94، يمكن الحوار المفتوح مع الجنوب، هذا الشريك القومي الوطني، شعباً ونخباً، الذي حسم موقفاً باكراً، كيف يمكن تركه لمثل هكذا شرعية بأركانها المهترئة التي لم تحقق ولا حتى نصراً واحداً لا عسكرياً ولا إدارياً ولا حتى إعلامياً. بل وفوق ذلك هي تحرض الناس على الوقوف ضدها وترك جبهاتها..
وشمالاً، تفقد السعودية إنجازاً كبيراً تحقق، بالنظر إلى مشاريع العمل مع الناس، وها هي تعود إلى كونها عبارة عن علاقات مع قوى النفوذ العتيق التي باعت اليمن للحوثي حتى لو لم تقصد فبسبب الفشل والفساد.
وكل هذا يصنع إرباكات مستمرة، هي من تعقد الحرب والسلام معاً.
لا يمكن أن تحسم الحرب هذه الأدوات، ومن باب أولى فإن هذه الأدوات لن توصل للسلام، وسنجد أنفسنا كل مرة أمام عبث حوثي وشتات شرعي.. يعمِّق الوجع في اليمن ويهدِّد السعودية مرة بعد مرة.