من يتذكر؟
مروان الغفوري
البوستات، المانشيتات، المقالات، المرافعات التي كانت تكتب في الفترة التي سبقت سقوط صنعاء؟
أعني حفلة الإرهاب التي أقيمت على مدى ثلاثة أعوام، حتى إن أي إشارة للخطر الذي تمثله الحوثية اعتبر بروباغاندا إصلاحية.. وكان يكفي ترديد “أنت إصلاحي” للقول إن كل ما تكتبه ليس له معنى. في تلك الأيام صار الحوثي صديق الجميع في صنعاء، وكانت هي مدينة الخطيئة الأكبر، كانت أكبر كارخانة في التاريخ.
قتل الحوثي في 2013 سبعة آلاف من رجال القبائل بحسب تقرير لمنظمة رصد محلية، ومع ذلك فقد كانت الكتابة عن تلك الجريمة محفوفة بالمخاطر. سيتقافزون عليك من كل مكان “أنت إصلاحي”. انتهى بهم الحال جميعهم مشردين وتائهين وكانت مكافأة مستحقة..
عادوا من جديد، باللغة نفسها والخيال المحدود نفسه، وبالتعالي المرضي نفسه.. ليسو جزءا من أي نظام أكاديمي ولا أي منظومة ثقافية ديناميكية ولا يمثلون حالة إبداعية تسترعي الانتباه، ورغم ذلك يجدون وقتا ومبررا للتعالي والعجرفة وإسداء النصح للعالم.
كتبت الكثير حول لماذا هو الإصلاح “جماعة” خطرة.. ولكنهم كتبوا الكثير من التفاهات الساذجة التي جعلت الإصلاح يبدو حزبا جيدا.. بالعودة إلى 2011-2014 سنعثر على مقدار مهول من الكتابة التي قالت إن الإصلاح وحده استشعر خطر الحوثي وقرر مواجهته مبكرا. لم تكن هذه هي الحقيقة، بيد أن نعاج أورويل الجميلة أصرت على ترديدها، ثم عادت مجددا لتكتب ما يناقضها. ثمة نعجة في “مزرعة الحيوان” لأورويل، كانت بالكاد تعرف كتابة اسمها إلا أنه لم يكن لتعاليها وعجرفتها حدود.
كان يكفي، للحط مني ومن قيمة ما أكتبه، إلحاق صفة “الإصلاحي” باسمي، بمجانية محضة وبلغة متعالية يصعب علي نسيانها. وفي ليلة سقوط صنعاء كتب البحر وشطارة، وكانا قريبين من جماعة هادي، بشرى لليمنيين.
على أن المشكلة التي غرقت فيها صنعاء آنذاك هي “نصف كل شيء”، نصف الثقافة ونصف المعرفة ونصف الأكاديميا ونصف البوليتيك ونصف الشرف.
سأخبركم بأمر لن تصدقوه: هل تعلمون أن الكتابة عن صالح الآن باهضة الثمن ومحفوفة بالمخاطر؟ تصدقون ذلك؟ أن الكتابة عن ذلك اللعين النافق، عن المسخ الذي قتل معجونا في روثه وشروره صارت مخاطرة؟ سلسلة من الإرهاب يقوم به الضحايا ضد بعضهم، وحالة كاسحة من تفريغ العقل والخيال من العناصر الجيدة؟
ثمة لعين آخر، إرهابي خطر يعمل بندقية للإيجار واسمه أبو العباس.. أبو العباس مجرم مرة وضابط شريف في أخرى. لما حاصره الحوثيون في دماج قيل إنه مجرم يكدس السلاح، وعندما حاصره الإصلاحيون في تعز، متنكرين في زي السلطات، قيل إنه ضابط شريف. هذان الموقفان اتخذتهما الجماعة نفسها، جماعة الدوشجية التي يصعب تصنيفها أخلاقيا وأكاديميا.
نعيش في الأنومي، اللامعيارية العظيمة.. كل شيء ضد نفسه، وبدلا عن أن تطرح الأسئلة المركزية مثل: لماذا يتحكم جنرال فاشل مثل علي محسن الأحمر بالجيش، لماذا تخلق الإمارات تشكيلات ميليشوية في كل مكان، لماذا يرفض الرئيس العودة، لماذا نخوض حربا بلا أفق، لماذا يبدو الحوثي الآن أقوى منه قبل أربعة أعوام، لماذا لدينا حكومة ورئاسة وجيش إذا كنا لا نستطيع فعل شيء، ولماذا..
نذهب لطرح الأسئلة التافهة..
أشعر بالخوف من الإخوان المسلمين وأمام كل جماعة يمينية وقومية، هناك تسكن بذور الفاشويات المحضة..
غير أن الشخص الذي يكتب “الإخونج” وهو يقصد جماعة الإخوان المسلمين هو شخص يرقص في زفة عمياء ولا يعلم إلى أين هي الرحلة ماضية. Spot diagnosis صدقوني.
يا إلهي، كم يجني هذا الشعب على نفسه، وكم هي نخبه رخيصة ومحدودة الخيال وآخر من يفهم..