عقْــد مجلس النواب بالجنوب سيضع الجنوبيين- والمجلس الانتقالي تحديدا- على فوهة التحدي..
تسعى السلطة اليمنية المسماة بالشرعية جاهدة وبدعم سعودي واضح لعقد جلسة لمجلس النواب اليمني- البرلمان العتيق الذي يقترب عمره من العشرين عاما- في مدينة سيئون “حضرموت” في تحدٍ سافرٍ ليس فقط للإرادة الجنوبية بل تحدياً فاضحا للخارطة السياسية المتشكلة لتوها على الأرض وللنتائج التي افضتها هذه الحرب وللتضحيات الهائلة التي قدمها الجنوبيون، فضلاً عن أن هكذا توجّــه يعني بالضرورة إحياء شرعية مؤسسات قد تجاوزها الواقع وتخطتها الأحداث باعتراف الجميع بمَــنْ فيهم كثير من أعضاء هذا المجلس نفسه. فهذا البرلمان الذي تسعى هذه الجهات بعثه من رماده مرة أخرى هو مجلس نيابي تم من خلاله تزييف الإرادة الجنوبية في ظروف استثنائية وفي ظل أوضاع قمعية لا تخفى على الجميع، وبالتالي فعقده اليوم وفي الجنوب تحديدا يمثّــل ذروة الاستفزاز لكل الجنوبيين بمن فيهم الموالون لهذه السلطة -أو أغلبهم-،كما يعني حتى مجرد عقده محاولة لفرض أوضاع ما قبل الحرب مرة ثانية وتجاهلاً صريحا للقضية الجنوبية وللإرادة الشعبية والسياسية الجنوبية/ فهذا المجلس كما نعلم هو نتاج لوضع سياسي مــرَّ عليه قرابة عقدين من الزمن وهو الذي لم يُـمثل فيه الجنوب يوما من الأيام تمثيلا حقيقاً، ليس فقط لأن الأغلبية الساحقة من النواب الجنوبيين فيه لم يتم اختيارهم حرا وبإرادة حُـــرة ويمثلون احزابهم وتم فرضهم عنوة على الشعب في لحظة استكانة،بل لأن هذا المجلس كان ‘حدى الأدوات السياسية القمعية التي يتم اشهارها كسيف مسلول بوجه الجنوبيين منذ اليوم الأول لولادته من خلال ما ظل يصدر من قوانين وقرارات سياسية جائرة متسلحة بمنطق:” هزمناكم هزمناكم”، فضلاً عن التقارير الحقوقية واستخلاصاتها المزعومة التي كانت تشوهها الحقائق وتقلبها رأسا على عقب بجعل الضحايا جُــناة، والجُــناة ضحايا، والأمثلة على ذلك لا تُــحصى.
على كل حال نعرف جيداً أن الغرض من عقد هذا المجلس وفي حضرموت ليس لإحياء دوره السياسي كمؤسسة سياسية ودستورية وأن كانت القوى الحزبية فيه ستوظف هذا اللقاء توظيفا سياسيا وحدويا مخادع- فالسعودية التي تدفع بشدة نحو عقده لا تعترف أصلاً بشيء أسمه برلمان ولا انتخابات ناهيك عن ديمقراطية من أساسه-، بقدر ما يُــراد له أن يكون مجلس مشرعن قانونياً -أو بمعنى أوضح محللا شرعياً- لاتفاقيات اقتصادية – وغير اقتصادية – بين السعودية والشرعية منها الإطلالة النفطية السعودية على بحر العرب كنافذة قريبة ومختصرة صوب أسواق النفط وغيرها من الأطماع يتم قد يتم تمريرها على حين غفلة من الزمن مستفيدة أي السعودية من الظروف الاستثنائية ، غرار اتفاقيات الحدود اليمنية السعودية عام2000م بعد ظروف حرب 94م، حتى تأخذ هذه الاتفاقيات اليوم السند القانوني والشرعي لها، خصوصاً وأن كل الأحزاب الممثل بالمجلس -على اختلافاتها وخصوماتها الدموية- ما تزال تجمع على شرعيته. يتم التخطيط لهذا قبل أية تسوية سياسية شاملة،حيث سيكون من الصعوبة بمكان بعد ذلك تمرير ما يتم يُـــخطط له ،ولكن هكذا خطوة خطيرة في حال أن تمت ستمثّــل هجمة تصعيدية جنوباً، وتصرف طائش سيصبّ مزيدا من الزيت على جمر نار هي مضطرمة بشدة، وستعمل على تعقيد الوضع المعقد وتأزيم الأوضاع أكثر مما هي متأزمة.
كما أنه في حال تم هذا خطوة فستكون السعودية ومعها الشرعية قد رمتا بالكرة الى الملعب الجنوبي والمجلس الانتقالي الجنوبي على وجه التحديد ووضعتهما على المحك، وسيكون الانتقالي وباقي القوى الجنوبية الفاعلة الأخرى ملزمون بمجابهة هذا الأمر بشتى الوسائل المتاحة, بعد أن وضعهم الطرف الأخر في فوهة مدفعية التحدي ” يكونوا أو لا يكونوا”. أما في حال قابل الجنوبيون والانتقالي بالذات هذه الخطوة بالصمت والتهيّــب من الصولجان الخليجي فلن يفهم العالم غير أن الجنوب قد تم ترويضه سياسياً وبدأ طوعاً بالتدحرج نحو الأسفل .!
*صلاح السقلدي