حين يغدو الجنوب «إرهابياً» في نظر «الشرعية»
فاجأَ السفير اليمني لدى الأردن علي العمراني الكثيرين من المراقبين بالداخل والخارج بإطلاقه اتهامات خطيرة ضد الحراك الجنوبي- و«المجلس الانتقالي الجنوبي» بالذات- توزعتْ بين «الإرهاب»، وتنفيذ «عمليات اغتيال وتخريب»، فضلاً عن تهمة العمالة للخارج. وذلك في سلسلة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
وللدلالة، لا بد من ذكر كلام العمراني كما أورده، وهو كتب يقول: «تستند الحركات الانفصالية في العالم إلى قضايا دينية أو عرقية، وبدعوى أنها أقلية، أما الانفصاليين في اليمن فلا شيء من هذا ولا ذاك»، ويضيف «عندما تقول لهم خذوا الدولة كلها أو نصفها أو ثلثيها يقولون لا! الحكاية أن الانفصاليين ينفذون أجندات خارجية ضد اليمن، وانظروا كيف يتعاملون مع الرئيس الجنوبي».
ويتابع العمراني «يعمد الانفصاليون إلى استخدام أسلوب الإرهاب والعنف اللفظي، ولعل لهم دور في الاغتيالات التي تحدث في عدن، ويقصدون إسكات من يتصدى لمشروعهم التخريبي المدمر»، معتبراً أنه من «الواجب التصدي بلا هوادة لمشروعهم التخريبي الذي يصب في مصلحة أعداء اليمن».
سفير حكومة «الشرعية» في الأردن لم يكتف عند هذا الحد، بل استرسل يقول: «إن مشروعهم (الإنتقالي) الخبيث لا يقل خطراً عن مشروع الحوثي الإجرامي، الإنتقالي افتتح إذاعة في عدن لبث الفرقة والتمزيق والكراهية في اليمن، وقالوا إن قناة تلفزيونية في الطريق للغرض ذاته. كانت قناة عدن الغد الانفصالية تبث من الضاحية الجنوبية (في بيروت) مع قناة المسيرة والساحات وكلهم ممولين من إيران. مَن يمول هذا الخراب الآن إيران أم هناك وريث آخر. ملة الخراب واحدة».
تصعيد سياسي بوجه «الحراك الجنوبي»
في التفصيل، لو أن هذه الاتهامات صدرتْ من شخصية لا تمثل السلطة اليمنية المعترف بها (الشرعية)، ولا تشغل منصباً رسمياً فيها بمستوى سفير، لكان الأمر مرًّ مرور الكرام من دون اكتراث، فما أكثرها من اتهامات طاولت وتطاول الحراك الجنوبي منذ انطلاقته قبل سنوات، كتهمة «الحراك القاعدي» و«الحراك الإيراني» و«الحراك الدموي الشمولي»؛ ولكن المفارقة اليوم تكمن في أن الاتهامات الأخيرة صدرت من هكذا شخصية رسمية، فحري بنا أن نتوقف عندها، لنضع حيالها جُملة من الملاحظات والتساؤلات.
إن هذه الاتهامات وبهذه الخطورة والوضوح هي من الاتهامات التي تصاعدت وتيرتها مؤخراً ضد القوى الجنوبية، وبالذات المتبنية لـ«المشروع الجنوبي التحرري»، ما يعني أن ثمة نية لدى السلطة – التي يقبع معظم رجالها بفنادق الخارج- لتصعيد الخطاب السياسي بوجه «الحراك الجنوبي» ومكوناته المتعددة، بما فيها «المجلس الانتقالي الجنوبي».
من غير المتوقع أن يكون العمراني قد أطلق هذه الاتهامات الخطيرة من تلقاء نفسه من دون إيعاز من جهة ما بالسلطة تناصب «الحراك الجنوبي» العداوة، وربما هي رسالة لاذعة ومن العيار الثقيل موجهة للإمارات، سيما وأن العمراني من الشخصيات التي تمتلك حصافة سياسية لا بأس بها، على الأقل قياساً بالرموز السلطوية النزقة التي تكتظ بها سلطة متشعبة التوجهات والمشاريع، وبالتالي فنحن على أبواب مرحلة صراع سياسي عاصف.
هذا الصراع لديه طرفين، يتمثل الأول بمختلف المكونات الجنوبية- خصوصاً وأن اتهامات العمراني قد شملت الجميع من دون استثناء، فيما الطرف الثاني يتمثل بـ«الشرعية»، على أن الجنوب سيكون الساحة الواسعة للصراع، وفي وقت تستعر حالة الاستقطاب الداخلي والإقليمي لكثير من القوى الشمالية والجنوبية على السواء، فإن السعودية والإمارات لن تكونا بمنأى عن المشهد المتأزم.
لا نستبعد أن يكون للحملة الإعلامية الأخيرة ضد القوى الجنوبية بوسائل الإعلام السعودية، وما قابلها من ردود جنوبية قد تكون شجعّتْ السفير العمراني، ومن يمثل، على إطلاق مثل هذه الاتهامات، الأثر في رفع منسوب السجال السعودي الجنوبي، وإذكاء نار التذمر الجنوبي بوجه الرياض، وقد أوغرت صدر الأخيرة بشكل أكبر تجاه الطرف الجنوبي.
هذا علاوة على محاولة العمراني إشعال المزيد من نار الخلاف الجنوبي-الجنوبي، حين تعمّد إقحام اسم الرئيس عبدربه منصور هادي بالأمر، والإشارة الى الخلاف الذي طفى على السطح بين هادي وبعض القوى الجنوبية، على خلفية تمسك الأخير بمشروعه «الدولة الاتحادية من ستة أقاليم»، والذي ترفضه جُل القوى الجنوبية. كذلك على خلفية المآخذ الجنوبية على هادي بأنه بات يميل كل الميل لحزب «الإصلاح» على حساب قضية الجنوب، وقد شد من أزره في ذات يوم استجاره (هادي) عند ساعة العُسرة.
كما لم تخل اتهامات العمراني من التحريض على العنف والقمع السلطوي ضد القوى الجنوبية، بل أنها دعوة صريحة لـ«الشرعية» -وربما للسعودية- بقتال «الانتقالي الجنوبي» وكل من يسير على ركبه من الجنوبيين، حين وضعهم العمراني جميعاً بمربع «الحركة الحوثية»، وقد تجلّتْ هذه الدعوة الخطيرة بوضوح حين قال: «… والواجب التصدي بلا هوادة لمشروعهم التخريبي الذي يصب في مصلحة أعداء اليمن. إن مشروعهم الخبيث لا يقل خطراً عن مشروع الحوثي الإجرامي».
تساؤلات وملاحظات
وعطفاً على هكذا اتهام صادم، تنتصب أمامنا بإلحاح عدة أسئلة تبحث عن إجابات، ولا بد من لحاظ ما تعتريه من منطق:
– هل من واجب الجنوبيين أن يتخلوا عن الخطاب السياسي في وقت ما يزال حل القضية الجنوبية معدوماً؟ بل وفي وقت ما يزال تجاهل هذه القضية والتآمر عليها على أشده من قبل شركاء حرب 94م وحتى اليوم؟
– هل هذه دعوة من «الشرعية» لإعلان الحرب على الجنوب؟ فإذا كانت الإجابة بـلا، فهل ثمة مساءلة تقوم بها هذه السلطة إن كانت هذه الاتهامات لا تعبر عن وجهة نظرها؟
– ما هو دور «التحالف» في هذه الاتهامات الموجهة ضد طرف هو شريك رئيس معه بهذه الحرب؟ وما رد الإمارات على هذه الاتهامات وهي تطاول أحد القوى الجنوبية المقربة منها «المجلس الانتقالي الجنوبي»؟ وكم هو مطلوب من الجنوبيين أن يقدموا من القتلى والجرحى والاسرى حتى يقتنع «التحالف» بأنه شريك مهم معه ولا يجب أن يسمح لأي جهة أن تنال منه، تماماً كما يهيب هذا «التحالف» بالجنوبيين عدم استفزاز الحكومة اليمنية الموالية له أو الاساءة إليها، أو حتى الدخول معها بأي صراع في الوقت الراهن؟
إن ما أورده العمراني يجب أن يكون بلاغاً للنائب العام والرأي العام الداخلي والخارجي، وعلى السفير إثبات اتهاماته إفساحاً بالمجال أمام معاقبة من يُدان بها، وفي حال فشل العمراني في تقديم الإثباتات فإنه لا بد من معاقبته وبالتالي وقفه عند حده.
– ما الرد الذي سيقوم به الجنوبيون و«الانتقالي» حيال هذه الاتهامات؟ أم أنها ستمر مرور الكرام، سيما ونحن نتحدث عن اتهامات بالغة الخطورة وصادرة من جهة رسمية وليس من شخص «مفسبك» (نسبة إلى ناشطي موقع «فايسبوك»)، أو ناشط سياسي طائش يخبط خبط عشواء هنا وهناك؟
قبل الختام، لا بد من التنويه إلى أن نقطة واحدة في اتهامات العمراني قد لامست الحقيقة الى حد ما، وهي إشارته الى وجود «خطاب لفظي جنوبي نزق»؛ فهذا لا شك بوجوده، والاعتراف بأنه يشكِّل إساءة للجنوب قبل غيره، ويستحق الوقوف بوجهه والتصدي له ونبذ أصحابه، بعيداً عن التماس المبررات والأعذار الواهية، فالخطأ القبيح يظل قبيحاً ومرفوضاً، ناهيك عن أنه يقدّم أصحابه على هيئة محامي دفاع فاشل عن قضاياهم وأفكارهم… على أن أطرف ما وردَ في كلام الرجُـل هي تهمة العمالة للخارج، وسلطته وحكومته يغرقون حتى الذقون في «بحرٍ من العمالة ومحيطٍ من الارتهان للخارج»، إلى درجة يصعب معها التكهن ما هو الشيء الذي لم تتنازل عنه هذه السلطة للخارج، ولم تعرضه بسوق نخاسة الأوطان؟