على حافة الهاوية
كنت أتحدث إلى أحد الزملاء من عدن، وهو بالمناسبة يحمل شهادة دكتوراه في فلسفة التاريخ ويعمل مستشارا في رئاسة الجمهورية (أو هكذا يُفتَرَض)، ومما قال لي أن راتبه (الذي تناقص حتى صار أقل من مائتي دولار) لم يعد يكفي لوقود السيارة (لمن يمتلك سيارة) أما لمن لا وسيلة نقل له فالراتب لا يكفي لنقل الأطفال من وإلى المدارس.
ملخص القضية ليس في حالة صديقي الذي قد يكون أيسر حالا من ملايين المواطنين الذين لم يعودوا قادرين على توفير تكاليف الأكل والشرب لأسرهم، لكن هذه الحالة تختصر التدهور المعيشي الذي وصل إليه الناس في “المناطق المحررة” والذي يقف على حافة الهاوية.
هناك حقيقة لا بد من البوح بها وهي أن القائمين على الحكومة الشرعية لا توجد لديهم أدنى فكرة ولا أي تفكير في وضع مخارج للأزمة التي على وشك التحول إلى كارثة محققة إن لم تكن قد دخلت المرحلة الكارثية فعلا، ويتوقع كثيرون أن الممسكين بالقرار يتعمدون معاقبة محافظات الجنوب لأسباب يعرفها الجميع، فهؤلاء من صناع كارثة 1994م وثأرهم مع الجنوب لم يتزحزح قيد أنملة، إن لم يكن يتنامى بعد نجاح الجنوبيين في دحر المشروع الانقلابي، وعجز هؤلاء (صناع قرارات الشرعية) عن تجاوز فرضة نهم بأمتار.
هؤلاء يصرون على مواصلة نهج 1994م هذه المرة باسم الشرعية، معتقدين إنهم بذلك سيجبرون شعب الجنوب على التنازل عن حقه الشرعي في اختيار طريقه المستقل.
جماعة 1994م لم يتغيروا ولن يتغيروا حتى بعد العبر القاسية والمجانية التي قدمها لهم الزمن، لكن ثقافة ميكافيللي القائمة على فلسفة “الغاية تبرر الوسيلة” ما تزال هي المسيطرة على عقلياتهم وهم يصنعون القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل الوطن، كل الوطن.
وعودة إلى الوضع المعيشي في المناطق الجنوبية، لا بد من الإقرار بأن أسباب هذه الكارثة ليست فقط اقتصادية وأمنية، لكنها سياسية بامتياز، فالطبقة السياسية المسيطرة على صناعة القرار في تحالف الشرعية، لم تعد تكترث كثيرا لموضوع استعادة العاصمة صنعاء ودحر المشروع الانقلابي بقدر انشغالها بتركيع الشعب الجنوبي من خلال سياسة العقاب الجماعي المفروضة على المواطنين الجنوبيين.
سياسة “حافة الهاوية” التي تتبعها الحكومة (المفترض أنها شرعية)، لا تنفع مع الواقع على الأرض، لا في الجنوب ولا في الشمال، لأن هذه الحكومة لا تستطيع التحكم في النتائج المرتقبة، وفلسفة العقاب الجماعي تجاه شعب الجنوب جربها الانقلابيون وفشلوا وجربها قبلهم عفاش وشركائه وفشلوا، وإذا كانت الحكومة الشرعية وحلفاؤها تصر على “تجريب المجرب” فلتنتظر النتائج التي قد لا تكون أدخلت في حسبانها.
وصدق الله العظيم “وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ”.