عندما يتحول الدفاع عن النفس إلى تغطية على جرائم الحرب
لن أتحدث عن ازدواج المعايير الذي يتحكم بسياسات الدول الغربية دونما استثناء عند التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى الأخص بعد هجوم كتائب عز الدين القسام على المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في ما يسمى بـ”غلاف غزة” وما رافقها من أعمال حربية معروفة، فالغرب قد اتبع تلك السياسة منذ إعلان دولة إسرائيل وربما قبل ذلك، لكن ما أعنيه هنا ما يقدمه زعماء الدول الغربية من تصريحات مجانية للكيان الإسرائيلي بالقول إن “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”.
هذا التعبير الزئبقي لا يتردد على هذا المستوى الواسع النطاق إلا عند ما يتعلق الأمر بإسرائيل، وكأن إسرائيل هي الكائن الحي الوحيد في العالم الذي يحق له “الدفاع عن نفسه”.
كل شعوب العالم من حقها الدفاع عن نفسها، وكل فرد وكل كائن حي من حقه أن يدافع عن نفسه حينما يحدق الخدر بحياته، لكن ما يقصده قادة الدول الغربية “الراعية لإسرائيل” هو غير المفهوم المتعارف عليه في القانون الدولي وفي كل قواميس اللغات الحية، لأن حق الدفاع عن النفس لا يتطلب تصريحا من أحد، فهو قانون طبيعي بيولوجي وسيسيولوجي وحقوقي على كل المستويات.
أحد الإعلاميين سأل زعيماً سياسياً كبيراً في إحدى الدول العظمى: ما المقصود بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”؟ فلم يجب على السؤال وهرب إلى القول أن ما ارتكبته حماس في حق إسرائيل لا يمكن السكوت عليه.
لم يتحدث أحد عن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في وجه الجرائم المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل منذ العام 1948م وما قبلها، وكأن الشعب الفلسطيني ليس له حقوق أو كأن إسرائيل في هذا الصراع التاريخي هي وحدها من يمتلك الحقوق.
ومع إدراكنا لحجم الهول والصدمة التي تعرض لها المجتمع الإسرائيلي صبيحة 7 أوكتوبر، وبغض النظر عن اختلافنا مع حماس كمنظمة وسياسات وجناح عسكري، فإن ما جرى صبيحة 7 أوكتوبر لا يساوي قطرة في بحر الجرائم الإسرائيلية منذ كفر قاسم ودير ياسين إلى صبرا وشاتيلا ومعها جرائم التصفيات الجسدية للقادة والزعماء والأدباء والمفكرين الفلسطينيين، وحتى الشباب والأطفال خلال انتفاضات الحجارة الفلسطينية ومعها العدوان على المصليين وجرائم المستوطنين المسلحين في حق المدنيين، وجرائم الاعتقال الإداري لآلاف المدنيين الفلسطينيين المخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية، ومع ذلك لم نسمع سياسياً واحداً من قادة الدول الراعية لإسرائيل يقول “:أن من حق الفلسطينيين أن يدافعوا عن أنفسهم”، ولا حتى يتوسل إلى إسرائيل كي تخفف من مستوى نزعتها الإجرامية بحق الفلسطينيين، بل إن جميع هؤلاءِ يتعاملون مع إسرائيل وكأنها فوق القانون وفوق مستوى البشر العاديين في عدوانها وجرائمها واختراقها لكل المواثيق والعهود الدولية.
“حق الدفاع عن النفس” الذي يتغني به قادة إسرائيل وأصدقائها ليس هو المعروف بكل اللغات، بل إنه حقها في حرق المدن بسكانها من الأطفال والنساء والمسنين، وحقها في الدوس على القوانين والقواعد المنظمة لحقوق المدنيين أثناء الحروب والمتعارف عليها في كل بلدان العالم، وعندما يقول بهذا قادة الدول الغربية التي يسرت قيام الدولة الإسرائيلة ورعتها وساندت سياساتها العدوانية فإنهم إنما يبعثون برسائل تطمين لناتانياهو وحكومته العدوانية بأن يفعلوا ما يحلو لهم من الجرائم وأن أحداً لن يجرؤ على النبس ببنت شفة لإدانتهم ، دعكم عن محاكمتهم على كل جرائمهم.
ذلكم هو “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.