في غزة سقط النظام الدولي وتجلت عربدة الغرب الإستعماري
لست في وارد الحديث عن خطورة الأوضاع جراء ما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة جماعية لسكان غزة؛ والإحتمالات المفتوحة لتحولها إلى حرب إقليمية كبرى؛ وربما لأبعد من ذلك لأن مثل هذا الأمر يدركه الجميع؛ وما أود التطرق ولفت الإنتباه إليه؛ هو التأكيد بأنه لم يعاد هناك من مجال للإعتماد على قواعد النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية؛ ولم تعد الأمم المتحدة التي كانت أحدى المخرجات الرئيسية لذلك النظام الذي تم التوافق عليه دوليا في حينه؛ بقادرة على أداء دورها الذي شاخ وتآكل على الصعيد الدولي؛ وأصبحت عاجزة تماما عن ذلك ومنذ أن أختل التوازن بسبب إنهيار الإتحاد السوفيتي عام ١٩٩١م.
لقد أصبح مجلس الأمن عاجزا عن حفظ الأمن والسلم العالمي؛ ولكنه المتحكم بمسار الأحداث وتسخيرها وتجييرها لخدمة أهداف بعض أعضائه؛ وأختزل ذلك تحديدا بالأعضاء الدائمين فيه؛ وهم من يتحكم بقراراته الحاسمة وهو الأمر الذي يعكس الخلل الكبير والخطير في النظام الدولي؛ وغياب العدل في ميزان العلاقات الدولية؛ بل وأصبح أداة بشعة بيد الغرب الإمبريالي ورأسماليته المتوحشة؛ ووسيلة قذرة وقبيحة لخدمة أمريكا بهدف إطالة هيمنتها وغطرستها على العالم.
لقد تجاوز كيان العصابات الصهيونية وبدعم مباشر من أمريكا وحلفائها كل الحدود؛ وداس على كل القوانين والأعراف الدولية والقيم الإنسانية؛ وتمرد على كل قرارات الشرعية الدولية التي كان لها الفضل بوجوده أساسا؛ وأهمها تلك المتعلقة بجوهر الصراع وبحل قضية الشعب الفلسطيني؛ والتي تجسدت في القرارات : ١٩٤ و٢٤٢ و ٣٣٨ وغيرها المئات من القرارات ذات الصلة؛ وباتت جرائمه الكبرى وغير المسبوقة في التاريخ والتي يرتكبها بحق سكان غزة العزل؛ وهي التي أصبحت في نظر الغرب الإستعماري المنحاز لهذا الكيان المجرم ( دفاعا عن النفس !!)
لقد أصبحت القوة والقوة وحدها عنوانا لسلوك العصابات الصهيونية؛ ووسيلتها المفضلة لفرض وجودها غير الشرعي على الأراضي الفلسطينة المحتلة؛ وهي ماضية في ذلك النهج الإجرامي منذ أن تأسس هذا الكيان عام ١٩٤٨م؛ ولن تحيد عن هذا السلوك الوحشي؛ مالم تجد قوة للردع المطلوب من قبل العرب أولا؛ ومن الأطراف المنحازة للحق والعدل في المجتمع الدولي ثانيا؛ فبيانات الشجب والإدانات وخطابات ( الزعماء ) والصراخ الزاعق من على منصات الإعلام المختلفة؛ لن توقف المجازر في غزة؛ ولن تنقذهم من الموت اليومي وبمئات الشهداء والجرحى في كل ساعة.
فهل آن الأوان لصحوة عربية حقيقية؛ تضع حدا لهذه الجرائم وتنتصر لدماء الفلسطينيين؛ونستعيد بها شيئا من كرامتنا العربية التي تتمعن إسرائيل بالدوس عليها كل يوم؛ وأن يراجع المطبعون والمنبطحون مواقفهم؛ إنقاذا لشرفهم إن بقي لهم قليلا من الشرف؛ وقليلا من الأخلاق والمسؤولية أمام شعوبهم التي يعتقدون بأن صمتها قبولا بسلوكهم وسياساتهم؛ وبأن ضميرها القومي والإنساني قد أصبح ميتا كما يتوهمون.