نهاية إعلامية صادمة!
تخيل نفسك وأنت تفيق صباح يوم جميل مفعم بالأمل والنشاط والحيوية، على رسالة واتس اب، صادمة تبلغك بكل قساوة التعبير ومرارة الموقف بأنه قد (تم الاستغناء عن خدماتك بداية من شهر أكتوبر) وقبل شهرين من انتهاء عقد عملك السنوي ونهاية العام الميلادي.. والى درجة تظن فيها ان هكرا ما، قد تمكن من اختراق هاتفك وتعمد ارسال هذا الرسالة المستفزة إلى جوالك باسم إدارة شركتك في العمل…
وتصور ان تكون هذه الرسالة القاسية الصادمة التعبير والمجردة حتى من كلمة شكرا لك.. قد انهت كل سنوات عملك بكل بجاحة القسوة المفرطة وبساطة النهاية المريرة وانت الذي أسست وعملت سنوات طويلة معهم وأفنيت عمرا بكل إخلاص وتفان للارتقاء بهم دوما، طيلة تسع او سبع او خمس سنوات على الأقل.. قدمت فيها معهم، كل أفكارك ومواقفك،، بل وحاربت إعلاميا من أعماق قلبك بكل ما أوتيت من أفكار وقوة تعبير وعصارة سنوات من الخبرات والتأهيل،لتسموا دوما بعملك، وحتى تكون مؤسستك عند المستوى المطلوب للتحدي ومواجهة ماكينات الخصوم، ومجابهة كل جبهات المنافسين، وتحملت في سبيل ذلك، كل ما واجهت من صعوبات ومخاطر فرز واتهامات وتصنيفات وتحديات..الخ، حتى أفقت على صدمة رسالة استغناء مهينة مجردة من كل قيم العمل وأخلاق الوظيفة وروح المهنة…رسالة لا تزيد فضاضة مرارتها عن سبع كلمات نصفها حروف جر وعطف..
لتصبح من ساعتها في حالة صدمة نفسية قاسية،، وانت تفكر مترددا في كيفية اخبار زملائك وزميلاتك بأنه قد تم الاستغناء عن خدماتك فجأة هكذا بكل بساطة ووقاحة معا، وقبل ان تتمكن من توديعهم وتسجيل حلقة برنامجك الأسبوعي التي انتهيت منها للتو وكنت تعتزم تسجلها صباح ذلك اليوم المشؤوم الذي تلقيت في ليلته العصيبة، تلك الرسالة القاسية بالاستغناء عن خدماتك، دون معرفة أوتوضيح أي سبب يذكر لذلك الاستغناء التنكري المفاجئ وبصيغتها الجافة والمؤلمة نفسيا لشخصك، كأنك ارتكبت السبع الموبقات معا بحق العمل وأخلاقيات المهنة..
ولذلك تجد نفسك منكسرا حائرا مسلوب التفكير مترددا حتى في كيفية مهاتفة الزملاء والزميلات وابلاغهم بأنك كنت تود توديعهم وطلب السماح منهم، واخبارهم بانه قد تم الاستغناء عنك فجأة من قبل إدارة العمل، ولم تعد بعد اليوم قادرا على العمل معهم، أوان تكون واحدا منهم كما كنت بالأمس في ذلك المكان الذي جمعكم عدة سنوات كأفراد أسرة واحدة..
قبل أن تصطدم مجددا وتزداد حيرة أكثر، عندما تتفاجأ بأن اول زميل أخبرته بقصتك، يشاركك هو الاخر نفس الصدمة والحيرة، بعد أن تلقى هو الاخر أيضا نفس الرسالة الصادمة بنفس التوقيت وتزامنا مع استعداده هو الاخر أيضا لقراءة نص الحلقة البرامجية الجديدة من برنامجه الاسبوعي، صباح ذلك اليوم الحزين نفسه أيضا، وصولا إلى التأكد من ان تلك الرسالة اللعينة التنكرية الصادمة قد شملت كل العاملين معك، حتى ممن لديهم عقودا مفتوحة دون سقف زمني محدد..
لتزداد معها حيرة الجميع عن أسباب تلك الاستغناءآت الجماعية القاسية، من طاقم اعلامي إذاعي مجرب ومتمرس لعدة سنوات من العمل الاعلامي التنافسي.. دون أن يعرفوا بعد، أن الأمر متعلق بانتهاء صلاحية المشروع الإذاعي بكله والذي عملوا فيه طيلة مدة زمنية تصل إلى قرابة العشر سنوات..
وان القصة تتعلق بكون أولويات البلد الداعم له قد تغيرت، واجنداته في اليمن قد تبدلت،..ومعها انتفت الحاجة الإعلامية المؤقتة لوجود الإذاعة وكذلك القناة التلفزيونية أيضا التي بدأت شركتها المقاولة إعلاميا بدلا عنها، بإنهاء عقود العاملين لديها مرحليا وإيقاف البرامج التي كانت تلك الشركة المصرية تنتجها وتبيعها للقناة، لكون مالكها هو المدير العام للبرامج بالقناة والمسؤول الذي يحدد سعر البرامج ويجيز محتواها ويحدد طبيعتها خطوطها العريضة وصولا إلى اختيار ضيوف كل حلقة.. في إشارة تمهيدية إلى قرب إيقاف بث القناة بكلها أيضا وتسريح الكوادر الجنوبية العاملة فيها، بنفس الطريقة الصادمة على مايبدوا لانهاء عمل الطاقم الإذاعي لإذاعة الغد المشرق، ودون جزاء او شكورا، او تعويض جزيلا..
بل وتعريض من بالخارج منهم لصعوبات كثيرة تتعلق بكيفية تجديد إقاماتهم دون عمل ولامصاريف إقامة، وبين خطر العودة إلى الداخل والعيش بدون عمل ولا راتب او دخل شهري يقيهم مرارة الواقع ومهانة العيش، بعد سنوات العزة في كنف خير دولة أولاد زايد..
فهل عرفتم أحبتي منهم أبطال هذه القصة الحقيقية المرة …
وكيف.. ولماذا اصبحوا يعيشون اليوم في صدمة حقيقة قاسية تهدد صحتهم النفسية والعقلية معا، نتيجة هذا الحال المرير الذي انتهوا اليه، بعد الاستغناء عنهم بشكل جماعي بهذه الطريقة التنكرية الصادمة…
انهم العاملين في إذاعة الغد المشرق التي يعرف الجميع من أسسها وكان يدعمها، ولمن أوكلت إدارتها وخذل جميع العاملين فيها تسليمهم ومستقبلهم، الى شركة وهمية وسيطة لتوقيع عقود عملهم معها ولا وجود لها حقيقة بالبلد ولا لمن يفترض انهم مسؤولين عليها لمحاسبتهم قضائيا والزامهم بدفع غرامات التعويض، كون العقود لم تنتهي بعد..
والخبر المؤسف والأكثر صدمة بالنسبة لي والعاملين فيها، ان قناة العد المشرق التلفزيونية،التي غطت الفراغ الاعلامي الجنوبي طيلة السنوات الماضية، هي الأخرى تستعد لإغلاق ابوابها وتسريح كوادرها الإعلامية الجنوبية المجرية، وجعلهم عرضة للاستقطابات الإعلامية الحزبية وفي مرمى التجاذبات السياسية، في الوقت الذي من المفترض أن يكونوا مكسبا إعلاميا ثمينا بالنسبة للأشقاء في الإمارات المحسوبين عليها، مهما كانت بعيدة قانونيا عن الجهات التي استقطبتهم ووقعوا عقود عملهم معها بعيدا عن مؤسسات الاختصاص بالدولة اليمنية وإدارة القناة او الإذاعة التي يفترض أنهما يمنيتين جنوبيتي الهوى والطواقم الإعلامية.
فهل من المعقول ان تتخلى الإمارات عن الكوادر الإعلامية الجنوبية المحسوبة عليها في القناة الإذاعة بهذه الطريقة وان يصبحوا عما قريب بين خياري:
الرمي التنكري إلى الشوارع والبحث عن أي فرصة عمل مع أي محتاج لهم
او تركهم لقمة صائعة للاستقطابات الإعلامية والسياسية من أطراف أخرى على الساحة اليمنية او الإقليمية..
وعلى حساب حاجة الإمارات لهم في معاركها الإعلامية الإقليمية التي لا تنتهي!
وهل جاء قرار الإغلاق المؤكد مع نهاية العام، لقناة وإذاعة الغد المشرق، وتخليها وخذلانها لقرابة مليون مشترك كانوا في صفحة القناة بالفيسبوك فقط قبل تهكيرها المزعوم، تزامنا مع انسحاب تدريجي إماراتي من الساحة الجنوبية وتوجهها لتغيير اجنداتها السياسية في اليمن والمنطقة عموما.. ام ان الأمر متعلق بوجود بديل اخر يجري تحويل المهام اليه؟!
#ماجد_الداعري