مقالات وكتاب
ما الذي يمكن قوله عن ثورة 14 أكتوبر بعد 60 عاما من عمرها؟*
غدا يحتفل شعب الجنوب داخل الوطن وخارجه بالعيد الستين لثورة 14 أكتوبر 1963م الخالدة.
هذه الثورة التي حققت كل أهدافها بدءا بطرد المحتل نهائيا يوم ال 30 من نوفمبر 1967م باستعادة الأرض والوطن الجنوبي من الاستعمار البريطاني الذي استمر 129عاما، منذ احتلال عدن يوم 19 يناير 1839م…واعلان الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الجنوبية للشعبية التي أصبحت في اليوم التالي عضوا فاعلا وكامل العضوية في جامعة الدول العربية ومنطمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي وغيرها من المنطمات والهيئات العربية والإسلامية والإقليمية والدولية…ودولة محترمة ومهابة في المنطقة والعالم رغم قلة عدد سكانها وشحة مواردها حينها.
ما الذي يمكن قوله عن هذه الثورة بعد 60 عاما من عمرها؟
لا يمكنني الإدعاء أنني كنت مشاركا في صناعة هذا الحدث التاريخي العظيم ،فحين انطلقت هذه الثورة من على جبال ردفان الشامخة كنت ما ازال طفلا في الخامسة من العمر ،لكن مبعث فخري واعتزازي أن والدي رحمة الله عليه كان أحد رجالها الأوائل مشاركا في جبهات حالمين والشعيب، واستشهد العديد من رفاقه اذكر منهم – على سبيل المثال لا الحصر – محمد غالب علي الأنعمي وشائف علي الغلابي…
كانت اخبار الثورة تصل إلى مسامعنا سواء عن طريق الثوار والأنصار أو عن طريق إذاعة صوت العرب من القاهرة وصوت الزعيم الخالد جمال عبدالناصر والمذيع المصري الشهير أحمد سعيد الذي كان يقدم برنامج إسمه ” صوت الجنوب العربي المحتل”.
ومن حينها زاد اهتمامي بمتابعة أخبار الثورة ومن ثم الدولة، سواء حين التحقت بالدراسة أو حين التحقت بجيش الجنوب عام 1974م شابا صغيرا، لكني تمكنت من اكمال تعليمي الثانوي منتسبا، ثم التعليم الاكاديمي بأعلى مستوياته…وهذا ما وفر لي فرصة البحث والاطلاع على تاريخ الثورة والدولة من مصادر متعددة، مكنتني والحمد لله من الاطلاع على الكثير من المعلومات وبالتالي الوصول إلى تقييمات واستنتاجات وخلاصات مهمة.
في مذكراته التي قرأتها السنة الماضية في القاهرة كتب الاستاذ المناضل محمد سالم باسندوة، وهو من مؤسسي منظمة التحرير التي تم الاعلان عن دمجها مع الجبهة القومية في 13 يناير عام 1966م ليشكلا معا ومع بعض السلاطين جبهة التحرير .
عرفت مما كتبه باسندوة إنه ومن قابل معه الرئيس جمال عبدالناصر لأول مرة واظن أنه – أي باسندوة – وتحت تأثير يمني وقومي حينها ، طلبوا من الرئيس جمال ،كأول طلب من بين مطالب أخرى، تغيير إسم برنامج صوت العرب من الجنوب العربي إلى “الجنوب اليمني” !!! ، وهو ما أثار دهشته ، إذ توقع أن سبب المقابلة شيئا أكبر وأهم من تغيير إسم البرنامج…لكنه ابلغ معاونيه بعد المقابلة أن لا يعملوا بطلب تغيير إسم البرنامج بحسب الطلب الغريب لباسندوة “الجنوب اليمني” بدلا من “الجنوب العربي” وأن يكون إسم البرنامج “صوت الجنوب المحتل”…حتى تنتصر الثورة ويعلن الاستقلال ، وحينها شعب الجنوب وحده هو من يقرر تسمية دولته الفتية.
من هذه الواقعة يمكن أن نفهم الصراعات والتعقيدات التي واجهتها مسيرة الثورة ومسيرة الدولة في الجنوب بسبب طغيان المشاعر والعواطف على الحقائق والمصالح…مما أوقع الثورة والدولة في أخطاء جسيمة لعل اخطرها يمننة الجنوب وتسليمه لقيادة نظام صنعاء في 22 مايو 1990م على طبق من ذهب ونفط وارض.
دروس هذه الثورة سواء في جوانب النجاح او جوانب الإخفاق يستلمهها الآن ومنذ انطلاق مسيرة التصالح والتسامح ثم الحراك، المناضلون الحنوبيون وهم يناضلون من أجل تحقيق الاستقلال الثاني…مستفيدين من أخطاء الماضي،حريصين على عدم تكرارها…فالمؤمن يجب أن لا يلدغ من نفس الجحر مرتان أو أكثر …
14 أكتوبر ثورة ونصر يجب أن يتجددان بتكاليف أقل وفعالية أكبر.