مقالات وكتاب
خلفية وأبعاد تمسك إيران ب”الوحدة اليمنية”؟!
لن نسترسل في الغوص في أعماق التاريخ البعيد والقديم…
فكما هو معروف جاء الفرس إلى صنعاء قديما قبل الإسلام بناء على طلب القائد المقاوم حينها سيف بن ذي يزن لمساعدته على طرد الأحباش بقيادة إبرهة الأشرم الذي كان قد توجه بجيش جرار من صنعاء إلى مكة لهدم الكعبة في (عام الفيل) فأرسل الله عليهم “طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول”. صدق الله العظيم.
لكن الفرس آثروا البقاء في صنعاء، وبعد مقتل القائد سيف بن ذي يزن أصبح الفرس حكاما على صنعاء وما حولها…وتوارث الأجيال هناك هذا الحكم الفارسي بصورة أو بأخرى مع اختلاف المسميات الإدارية والبشرية.
لم يكن للفرس أي وجود أو علاقات مع الجنوب كوطن وجغرافيا لا في قديم الزمان ولا في راهنه.
بعد استقلال الجنوب عام 1967م وتحديدا أثناء الثورة في عمان منتصف السبعينات كانت العلاقات بين إيران أيام شاه ايران محمد رضاء بهلوي وبين الجنوب، أقل ما توصف بالعدوانية وبالتحديد بعد قيام طائرات ايرانية بقصف مواقع الثوار العمانيين على حدود محافظة المهرة الجنوبية، حيث اسقطت الدفاعات الجوية الجنوبية مقاتلة ايرانية واعتقلت قائدها وعرضته حينها على شاشة تلفزيون عدن.
بعد الاطاحة بالشاه وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979م التي رفعت شعارات نصرة فلسطين ودعم الثورات…اقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الجنوب وهذه تحت وطأة ظروف تلك المرحلة من زمن الحرب الباردة…
العامل الأول مرتبط بتردي وقطع العلاقات بين الجنوب والعراق بعد اغتيال المخابرات العراقية للاستاذ العراقي في جامعة عدن توفيق رشدي في الأول من يونيو 1979م.
العامل الثاني :حاجة الجنوب في ذلك الوقت الى كسر الحصار الاقتصادي العربي الذي فرض على الجنوب ظلما بعد أحداث اغتيال الغشمي وحرب 1979م بين اليمنين الجنوبي والشمالي.
فشهدت تلك الفترة تعاون اقتصادي محدود بين الجنوب وايران وخاصة في مجال النفط.
لكن بعد الوحدة اليمنية أيدت إيران ودعمت نظام صنعاء أثناء حرب 1994م، وأصبحت العلاقات اليمنية الإيرانية (سمنا على عسل) بعد زيارة الرئيس صالح إلى طهران عام 2000م ومن ثم زيارة الرئيس الايراني حينها محمد خاتمي إلى صنعاء عام 2003م…لكن هذه العلاقات تعرضت للانتكاسة مؤقتا أبان حروب صعدة 2004-2009م…على خلفية دعم إيران لجماعة الحوثيين.
حاولت إيران والحوثيون مغازلة بعض مكونات الحراك الجنوبي متظاهرة برغبتها في دعم الحراك لكنها قوبلت برفض جنوبي جمعي لأي دعم مشروط بأي محاولات ايرانية أو شمالية للسيطرة على القرار الجنوبي…
وللمقارنة بين المواقف الخليجية بقيادة السعودية من جهة ومواقف إيران من جهة أخرى، سنجد أن إيران كانت تقف دائما مع نظام صنعاء سواء أثناء حرب 1994م أو أثناء حرب 2015 التي ما زالت مستمرة حتى الآن…في حين أن المملكة والإمارات وكذلك الكويت والبحرين وقفت مع الجنوب في كلي الحربين.
الآن وبعد ما يقارب من تسع سنوات على حرب 2015م وما شهدته هذه السنوات وما قبلها من تغيرات وتحولات أصبح معها الحديث عن الوحدة اليمنية سواء كان في الداخل أم الخارج ضربا من الخيال… تنبري إيران والحوثيون في تناغم واضح ومنسجم للإصرار على شرط “الحفاظ على الوحدة اليمنية” للقبول بأي تسوية سياسية للأزمة المستفحلة والحرب الطاحنة.
أكثر السيناريوهات التي تدور بين المهتمين في الشأن اليمني، حول مستقبل التسوية السياسية في اليمن، تختصر فيمن يصر على أي حل تحت مظلة الوحدة، أو من أدرك أن العودة إلى حل الدولتين، والذي كان سارياً قبل الوحدة، هو الحل الأمثل لمستقبل الشعبين في الشمال وفي الجنوب.
فطرفا الصراع الرئيسان على النقيض، والواقعية مطلوبة عند وضع استراتيجيات المستقبل، فأهم الأطراف الداخلية نفوذاً على الأرض هم الحوثيون في الشمال والمجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب.
يتبنى الحوثيون خطاب الوحدة ولو شكلياً، فالحقيقة أن الحوثي الذي استولى على السلطة في صنعاء، بعيد كل البعد عن الوحدة، لأنه ببساطة لا يعرف قيم الدولة الحديثة، بينما على الطرف الآخر، يبقى هدف أبناء الجنوب الممثلين في المجلس الانتقالي الجنوبي واضحاً نحو استعادة الدولة، دولة النظام والقانون ، وهو حق يطالب به الجنوبيون منذ سنوات عديدة، ولم ترتبط بعمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل وحسب، كما يروج البعض، وكأنها مطالبات حديثة العهد.
إذا لا يمكن فصل الموقف الحوثي – الإيراني بشأن اليمن، فتطابق الخطاب حول موضوع الوحدة، يؤكد أن إيران تتحكم بمسار المفاوضات التي يجريها الحوثيون، فاستراتيجية الحوثي تعتمد على ابتزاز المجتمع الدولي، والمنطقة الباحثة عن الاستقرار والازدهار، فالحوثي يهدد بالعودة إلى التصعيد، إن لم يحصل على مطالبه كاملة، وأهمها استعادة السيطرة على منابع النفط، وهي مطالب يرفضها الانتقالي الجنوبي جملة وتفصيلا… ورفض سيناريوهات السلام، إن لم تتضمن ملف عودة دولة الجنوب، كون الجنوبيين قد استطاعوا تحرير أراضيهم من احتلال الحوثي، وتمكنوا من تحقيق أرضية شعبية جامعة لشعب الجنوب، وحضور سياسي بارز على مختلف الأصعدة، ما دفع يقضية الجنوب الى الواجهة ورقم صعب حربا وسلما.
الهدف الاستراتيجي لإيران وحلمها الأزلي هو السيطرة على مضيق باب المندب.