مقالات وكتاب

الموتى فقط هم الذين لا يخطئون

بداية لا بد من التأكيد هنا بأننا لا نبرر للأخطاء، ولا ندعو لتجاوزها أو عدم نقدها وتصحيحها ومن قبل أيًّا كان وفي أي مكان أو زمان؛ ولكننا نتحدث هنا عن أفعالنا المختلفة في الحياة بكونها ميداناً واسعاً لمختلف الأنشطة الإنسانية وبكل عناوينها، فالحياة ساحة ممتدة ولا تحيط بحركتها الأسوار، وفيها يمارس الناس أعمالهم وأفعالهم وأنشطتهم المختلفة والمتعددة بتعدد وتنوع متطلبات الحياة نفسها، وفي ميدان الحياة تختبر قدراتهم ومهاراتهم وتتجلى فيها إبداعاتهم في كل المجالات، وفيها أيضا يتسابق الجميع من أجل النجاح والتميز والتطور والتطوير كذلك.

وهنا بالضبط تتشكل الأرضية الموضوعية للتنافس المشروع أساساً والمتعدد الأوجه والغايات، ولكن رغم ذلك ومع تعقيدات الحياة قد يوصل مثل هذا التنافس المشروع وعند درجات معينة إلى التباين الذي يقود بدوره إلى الاختلافات التي تبلغ ذروتها عند حدوث الخلاف الشديد والعميق، ونتيجة لانعدام التفاهم وغياب الحوار يحدث هنا التصادم عبر استخدام وسائل العنف المتاحة، والمدفوع برغبات الحصول على مزيد من المنافع والمكاسب والمصالح أو للدفاع عنها، وفي أحيان أخرى بهدف إقصاء الآخر وإلحاق الأذى به وهزيمته أو تقزيمه وتحجيم دوره.

وفي هذا السياق تحصل الأخطاء الجسيمة بالضرورة، وتترك آثارها وتداعياتها لفترة لاحقة ممتدة؛ لأن الصواب الكامل شبه مستحيل والنجاح المطلق لا يمكن حصوله في أفعال هي من صنع البشر الذين ليسوا بملائكة، وهي واردة الحصول دوماً في حياة الأفراد والجماعات، كما هو الحال في الهيئات والمؤسسات والمنظمات المختلفة التي تمارس نشاطها في حياة المجتمع على تعدد مسمياتها ووظائفها وأهدافها.

ومن هذا المنطلق وبالنظر لكثرة الحديث عن الأخطاء في تجربة الحياة السياسية ماضياً وحاضراً، ويتعمد البعض بالتوقف أمام السلبيات وترصد أخطاء غيره فقط وتوظيفها في معارك الحياة السياسية، الدائرة على واقع المشهد الجنوبي اليوم، مع تجاهل كامل لكل ما هو إيجابي ومشرق على الصعيدين الوطني والسياسي، وكذلك في الميدان الاجتماعي وارتباط كل ذلك بالأبعاد التاريخية لقضية شعب الجنوب الوطنية.

ودون أدنى شك بأن مثل هذه السلوك لا ينطلق من قناعات حقيقية تعتمد على التقييم لمن هم في دائرة التنافس الوطني ولا حتى الخصوم، ولكن مع الأسف تتحكم بها الرغبة بتشويه الآخر حتى وإن كان ما يقوم به لمصلحة الشعب والوطن، وبغض النظر عن جوانب القصور والأخطاء التي لا مفر من حدوثها في ميدان الحياة السياسية وما يحيط بها من تعقيدات ومصاعب وتحديات ومخاطر ومؤامرات.

إننا ندعو هنا الجميع وبصدق وإخلاص إلى ممارسة النقد للذات ومراجعة وتقييم تجاربهم المختلفة في ميدان العمل الوطني والسياسي، بما في ذلك طبيعة العلاقة البينية القائمة بين مختلف أطراف ومكونات الحياة السياسية، وأن يقدم كل من موقعه ودوره على تصحيح الأخطاء وبأي حجم كان وبأي صورة كانت وبروح وطنية مسؤولة، فتلكم هي الشجاعة والمسؤولية الوطنية والتاريخية معاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى