النسخة الأخيرة من تنظيم «القاعدة»
ترجم جيل ما يسمى بـ«الصحوة الإسلامية» الأفكار المتصلبة من كتب التراث العربي والديني، وصنع منها جماعات مسلحة أطلق عليها «الجهادية»، أنتجت التنظيمات الأكثر توحشاً في التاريخ المعاصر، فلم يأت تنظيم «القاعدة» من الفراغ، ولم تكن جبال «تورا بورا» وكهوف قندهار في بلاد الأفغان غير معامل التكوين للقوة الباطشة بعقيدة تعتقد أنها وحدها من تمتلك حقيقة الإيمان، بل وتصف نفسها بالوسطية المذهبية، وذلك الجيل الذي أنجب القيادات الأولى لتنظيم «القاعدة» من عبدالله عزام وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن، هو ذاته الذي يتصل مع الجيل الأخير الذي يتمثل فيه سيف العدل وخالد باطرفي.
الحقيقة الصادمة أن لا شيء قد تبدل، فالنسخة الأخيرة من قيادات التنظيم هي مجرد استنساخ للنسخة الأصلية مصري وحضرمي وبينهما ألغاز حائرة لا إجابات لها.
تنظيم «القاعدة» ذاته أنتج نسخته الأكثر دموية في إصداره المرئي والمعلن عبر تنظيم «داعش» الذي أيضاً لم يمت برغم أن تحالفاً دولياً عريضاً طارده على كل أرض وتحت كل سماء، ليعود وينتج منتجاً آخر أطلق عليه الذئاب المنفردة، سلسلة ممتدة من الجماعات المتطرفة المؤمنة فقط بعقيدة الرعب توزعها كلما وجدت فرصة مواتية، فلم تجدِ الخطط الأمنية في القضاء على هذه الجماعات الراديكالية العنيفة.
هذا توقيت ملائم للنظر إلى الزاوية المشوش عليها في تنظيم «القاعدة» من ناحية وجوده على الأرض اليمنية، فهذه البلاد لطالما كانت منشأ الفرع الأخطر الذي أطلق عليه مؤسسه أسامة بن لادن «تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب».
ومن تسعينيات القرن العشرين ظهر التنظيم مستفيداً من علاقة جماعة «الإخوان المسلمين» بالسلطة السياسية اليمنية التي كانت قد احتلت الجنوب العربي بعد الغزو العسكري في صيف العام 1994. من ميلاد التنظيم وحتى اللحظة ما زالت «القاعدة» تجد التخادم الذي يُمكنها من الوجود على الأرض، فجماعة «الإخوان» توفر دائماً وأبداً الغطاء اللازم لبقاء التنظيم، الذي يظل أداة من الأدوات المتوثبة دوماً للانقضاض وتوجيه العمليات الإرهابية.
بعد العام 2015 وتحرير العاصمة عدن، تولت الإمارات مسؤولية مكافحة الإرهاب، فبعد أن خاض الحزام الأمني المعركة الفاصلة بإشراف إماراتي مباشر ضد تنظيم «داعش» في عدن توسعت عمليات المطاردة للعناصر الإرهابية لكل التنظيمات سواء أكانت أنصار الشريعة أو «الدواعش» أو «القاعدة» حتى وصلت العمليات إلى بلوغ غرف عمليات التنظيمات أولاً في وادي المسيني بساحل حضرموت، وأخيراً في وادي عومران بمحافظة أبين، وما وجد في غرف العمليات يؤكد أن تنظيم «القاعدة» يمتلك من التقنيات ما يؤشر إلى أن التنظيم برغم كل التصفيات لعناصره والضربات التي تلقاها ما زال يتمتع بشبكاته الإرهابية كما هي وأن هي تضررت ولكنها تظل موجودة.
الإعلان عن وجود زعيم تنظيم «القاعدة» سيف العدل في إيران لا يلغي حقيقة وجود خالد باطرفي في الجنوب العربي، هذه معادلة موجودة وهي تعزز المخاوف حول أن التنظيم قد يعود في ظل أن تسوية سياسية هشّة قادمة لليمن ستمنح جماعة «الإخوان» حصة سياسية مما يعطي مساحة لحركة التنظيمات الإرهابية مع أهمية ملاحظة أن محافظات مأرب والبيضاء والجوف وتعز حواضن عميقة لهذه التنظيمات وأفكارها المتطرفة أيديولوجياً، إذن من الأجدر النظر إلى قيادة تنظيم «القاعدة» في الجنوب العربي باهتمام لحيوية الجغرافية، وأنها تقع بمسافة قريبة من فرع الصومال الممتد بدوره عضوياً مع الجماعات في وسط وغرب أفريقيا.
هذه النظرة المقربة إلى النسخة الأخيرة من تنظيم «القاعدة» وإنْ كانت مخيفة غير أنها مطلوبة، وأن الاتفاقية الأمنية التي عقدتها دولة الإمارات مع اليمن ستؤمن حداً مقبولاً من مكافحة الإرهاب، لكن من المهم منح الثقة في المدرسة الشافعية الحضرمية لتعاود حضورها فهي الوحيدة القادرة، وبدون سلاح على تذويب أفكار عناصر التنظيمات الإرهابية، التي يتم تسويقها على أنها ذات فكر وسطي، بينما ثبت من واقع الأحداث أنها تكفيرية إرهابية.