العدوان الثلاثي على الجنوب (عفاشي، إخواني، حوثي)
قوى تقليدية مدمرة حكمت الجنوب واستحكمت به عقوداً ثلاثة، وترسخت عندهم نهاية حتمية للفكر التحرري في الجنوب العربي وطمس هويته تدريجياً، وعملت تلك القوى بكل ثقلها الديني والقبلي على تعميم نموذج الشمال وتطبيقه بكل سلبياته مترافقا مع تراجع الحامل السياسي لقضية شعب الجنوب، فظنوا بذلك الفعل أنهم قد محوا الجنوب من الخارطة التعليمية وهذا ما كان بالفعل، لكنهم لم يمحوها من الذاكرة الجمعية في بعدها الثقافي والاجتماعي والتاريخي وصمدت بقوة، وفشلت الرهانات داخليا وخارجيا، إذ اختار شعب الجنوب نهجا ثوريا رافضاً للهيمنة الشمالية على الجنوب، ولم يقبل العزاء بموته، فتشكل اتجاه معاكس لسير الاتجاه الخاطئ المصدر نحو الجنوب بعد أن زعم ثالوث الشر أنه قد انتصرت، ويعيش زهو الحياة وأفضل الأيام، وأن الجنوب قد زال بزول الحزب الاشتراكي وقياداته، واعتقدوا يقينا أن وحدة مايو قد ترسخت، وأن حياتهم ستكون أكثر سعادة وأقل خوفا وهم ينهبون خيرات الجنوب وثرواته عبثا دون تنظيم، فنالوا بذلك كره الجنوبيين ورفضهم، وتجلت حالة من السخط وتنامت حركة الرفض، وتكونت حالة من عدم الثقة بين شمال وجنوب، وبرزت بقوة حركة التمرد عن قدسية الوحدة، وأعلن الشعب قيام قوى الحراك الجنوبي التي كان ينظر لها عفاش بوصفها جماعات تتنقل بين المحافظات الجنوبية ليس لها أثر على الوحدة، ولكن أخذت هذه القوى الجنوبية بعدا تنظيميا وتفاعلا شعبيا متزايدا يستهدف – سلمياً – إضفاء الشرعية الشعبية الجنوبية الرافضة لوحدة الذل والنهب والتحكم لنظام قبلي فاسد يهترئ أمام حركات التحرر الجنوبي الذي استمر بقوة حتى جاء الربيع العربي وانخرط فيه قلة من شباب الشمال في حركة الرفض لعفاش ونظام حكمه القبلي المتخادم مع قوى الإخوان والإرهاب، لكن القوى التقليدية نصبت نفسها قيادة لتلك الحركة وممثلين عنها واتفقوا بمبادرة في الرياض على تسليم عفاش السلطة لمنصور هادي الذي انقلب عليه الحوثيون وصالح ومهدوا له تمهيدا، وتركه الإخوان وحيدا في صنعاء أسيراً، ومن ثم هرب إلى عدن فكانت عاصفة الحزم هي الحل، إذ بشرت باقتلاع عفاش والحوثي ذلك ما لم يكن، ولم تحقق عاصفة الحزم أهدافها الاستراتيجية في الشمال، ولكن بدعم يسير استطاع الجنوبيون وهم يخوظون سنوات طويلة حراكا ثوريا سلمياً، تحول باحتلال الجنوب وغزوه من قبل الحوثيين وعفاش مجددا في ٢٠١٥م إلى ثورة مسلحة انتصر فيها الجنوب وطرد عفاش والحوثي، كل ذلك لم يرق لقوى الشمال المتسولة في عواصم الدول، وأخذت تغير مسار توجهات عاصفة الحزم في تحرير صنعاء، والاتجاه جنوباً زعما منهم في الحفاظ على الوحدة والجمهورية التي أضاعوها وباعوها بثمن بخس، لكن الجنوبيين حاضرون لهم، ولمؤامراتهم فقد بشرت المقاومة الجنوبية باقتلاع قوى الاحتلال وثالوثها اللعين (عفاش والحوثي والإخوان) إلا أن مايسمى بحكومة الشرعية ظلت توسع نطاق التأمر، وفرضت عربيا على قيادات الجنوب اتفاق الرياض الذي أضاف قيدا جديدا تخلفت قوى الإخوان المتخادمة مع الحوثي عن تنفيذه.
إن استخدام الإخوان لأفكارها المهندسة سياسيا والمعلبة عقائديا لتنفيذ أجندات ضارة تشجع على زيادة رواج تعصب الجنوبيين للوحدة من جهة وتفسخ النسيج الاجتماعي الجنوبي من جهة ثانية، لكنها في الحالتين كلتيهما لايمكن لها أو لغيرها احتواء نسق المشهد الثقافي في الجنوب المتحرر سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ولو من باب التنبؤ والخيال.
كثرت استخدامات الخصوم المضادة جنوباً في الظاهر والباطن فكراً واعتقادا، إقليمياً وعربياً، لكن بجهود داؤبة وإصرار ثوري متحرك قللت القيادة الجنوبية وعلى رأسها القائد عيدروس الزبيدي من نفعية تلك الاستخدامات وأبطلت أغلبها، مع بقاء بعضها عالقاً في نزعات الطفرات الوراثية للجماعات الإسلامية المتوارثة لحكم الشمال قديما وحديثا في صور ومسميات متغيرة بين الأمس واليوم: (إمامة/ حوثية) و(حزب إصلاح/ إخوان) وبينها جماعات إرهابية متخادمة نفعيا مع مصالح الطرفين.
يأتي كل ذلك في وقت يتجاهل فيه الفاعلون عربياً ودولياً ويتجادلون، بل يعملون على إغلاق أبواب التعاون مع الجنوبيين سياسياً وعسكرياً وأمنيا في مكافحة الإرهاب، والقضاء على الفساد؛ لمصلحة ميقاتية أحادية الجانب في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، حيث يصبح الواقع بمستوياته الأربعة رهينا لتوجهاتهم، يحركونه حسب المصلحة، ويجعلون بهذا الفعل قياداتنا وقواتنا الجنوبية مقيدة غير فاعلة، وربما ظنوا أنهم قادرون على تركيعهم أو حتى استبدالهم والثورة عليهم داخل النظام السياسي والعسكري في الجنوب، أو استبدالهم بجماعات قابلة للاستبدال من جماعات داخلية تغرد خارج مشروع القضية الجنوبية، أو جماعات خارجية كانت ومازالت سببا في احتلال الجنوب وتفشي مظالم النهب والسلب ومصادرة الحقوق وطمس الهوية، وصناعة الإرهاب والفساد والمحسوبية وتطويع الجنوب بكل خيراته لمصالح شخصيات الشمال وقياداتها بمختلف توجهاتهم خلال ثلاثة عقود من احتلال الجنوب.
وأمام كل تلك الصعوبات والتحديات والمعوقات يستمر شعب الجنوب متمسكاً بخياراته التي تشكلت في اللحظات الأولى من إعلان الوحدة التي فرضت علينا ولم نحلم بها، بل كانت مفروضة على شعب الجنوب، ومع هذا نكث بها الشمال وجاءت عندهم منتجا ثانويا لرغبة غير وطنية تسير بالتوازي أمام رغبة جنوبية ممنهجة في نيل الاستقلال ناضل الجنوبيون طويلا من أجله قبل سيطرة الحوثي على الشمال والجنوب في ٢٠١٥م وقبل قيام عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والصديقة، وأثبت الجنوبيون أنه ليس لديهم خيار سوى الاستقلال الذي ضحوا من أجله بألوف مؤلفة ومن خيرة الرجال صمدوا على الأرض وبدعم من التحالف، ولم يبتعدوا عن الأرض والعرض فاستشهدوا دونها مدافعين، ولم يجذبهم المال للهجرة إلية في فنادق الرياض ومصر واسطنبول خضوعا لنزواتهم ومتطلبات أحزابهم، بل تشبثوا بالأرض وحافضوا على العرض فانتشرت المقاومة الجنوبية وطردت مليشيات الحوثي وقوات صالح.
وليس هناك غرابة في أن الجنوبيين مستمرين في انجاز مشروعهم، وهم اليوم في وضع أفضل للدفاع عنه في ظل الظروف الحالية التي تمر بها الجنوب وكذلك الشمال فلن ننحوا باللائمة على أحد وإن كان له صلة متعمدة أو غير متعمدة في تأخير انجاز مشروع التحرير الذي سيكون له انعكاسا على الجميع محليا وعربياً ودولياً.
د. صالح الوجيه