مقالات وكتاب
العَفَن الذي أسقط السفينة ، ولم يغرقها…
٢٦ سبتمبر كانت السفينة التي حملت اليمنيين وأبحرت بهم من المياه الضحلة الى المدى الذي أخذت معه مياه البحر تأخذ لون السماء .
تخبط اليمنيون في جوف السفينة بحثاً عن طريق يوصلهم بالمجرى العام الذي انتظم فيه إنسان العصر ؛ اختلفوا واتفقوا واختلفوا .. اجتهدوا قدر ما استطاعوا ..
أحياناً كثيرة جاء من يكسر الاجتهاد ، أو التوافق ، ويفرض خياراته السياسية والعسكرية ، ومع ذلك استوت السفينة على الجودي ، وسارت نحو هدفها ببطء أحياناً وهرولة أحياناً أخرى .
شهدت حروباً ، وانقلابات ، وهبات وانتفاضات ، واحتفظت بهيكلها وجداراتها التي حمتها من الانهيارات مؤكدة أصالتها وعمق تجذرها وسط الناس والمجتمع . أما مكنتها فقد ازدحمت بأعطال كثيرة بسبب القيادة الغلط .
وفي حين أخذ ربابنتها المتعاقبون علي قمرة قيادتها يبتعدون بها عن المسار الذي يؤمّن التحاقها بمجرى العصر ، أخذ أعداؤها القدامى ينتشرون في مفاصلها كدود تنمو داخل الجروح التي تخلفها النزاعات والصراعات والحروب ، وتتغذى من قيح هذه الجراحات ، وأخذت تنخرها من داخلها ، وتعطل حركتها وتنشر العفن الذي تحمله معها من داخل تلك الجراح إلى الأمكنة التي تستقر فيها . وساعدها على ذلك أن التسلط الذي عطل مكنة السفينة هيأ لها مناخات الانتشار بإنتاج المزيد من الجراح التي استمرت تتوالد فيها وتستقطب معه عفن ذلك التسلط الذي جعل إسقاط السفينة بيدها مهمة ذلك العفن ، بكل تلاوينه وتفاعيله ، قبل أي شيء آخر . أسقط العفن السفينة ، لكنه لم يستطع أن يغرقها ، ذلك لأنها غدت محمولة بأفئدة وأحلام ملايين اليمنيين.
والمفارقة أن هذه الكائنات لا زالت تعيش على جراحات اليمنيين قديمها وجديدها ، وتتغذى من صديدها ، وتجد في الزبد الذي يتخلف من تهويمات بقايا ذلك العفن ، عند الحديث عن سقوط السفينة ، ملاذاً للتخفي داخل أردية من الزيف والنفاق والمغالطات التي توظفها هذه الكائنات وتقدم به نفسها للناس على غير حقيقتها .
والحال هو أنه لا حل أمام اليمنيين سوى إغلاق هذه الجراح ، والتوقف عن الرغي الذي يصدر عمن قرروا تلغيم هذا السقوط بالأراجيف لتبرئة العفن الذي ينتمون إليه .
ولتحقيق ذلك لا بد أن يتغير سلوك ركاب هذه السفينة العظيمة حتى تستعيد روحها وتواصل رسالتها على نحو تستفيد معه من كل أخطاء وإخفاقات الماضي .
ما نشاهده اليوم من استعراض القوة في صنعاء إنما هو غطاء لئيم لحالة البؤس والجوع واليأس الذي وصل إليه الشعب ، إنه أشبه بالرقص المشين فوق آلام الناس ، لا يربطه بالمجتمع أي رابط ، لم يتردد معه القوامون على الحدث من إبراز موكب العائلة كشاهد على خيبة السقوط ، وهو يلخص المشهد الذي صار إليه الحال بين من ينزف ومن يتغذى من ذلك النزيف .