مقالات وكتاب
التحالف الروسي الصيني يتعاظم
خلال فترة الصراع الأيديولوجي بين الصين والاتحاد السوفيتي، عملت الولايات المتحدة على الميل إلى جانب الصين وأظهرت التأييد لمواقف بكين «المناهضة» للسياسة السوفيتية ودفعت واشنطن بحلفائها لتعزيز علاقتهم الاقتصادية والسياسية مع بكين بهدف تقويتها في الوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي، خاصة أن تلك السنوات كانت من أشد سنوات الحرب البادرة سخونة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
أسهمت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في المعسكر الرأسمالي في تسهيل تدفق الاستثمارات الغربية إلى السوق الصينية ونقل التكنولوجيا الحديثة إلى الاقتصاد الصيني، وفي ظل ذلك كانت القيادة الصينية تعمل على تحديث الاقتصاد والتخفيف من القيود الصارمة التي كان الحزب الشيوعي الصيني يفرضها على عمل رأس المال الخاص، بما في ذلك الأجنبي، كل هذه التطورات لعبت دورا محوريا في التطور الاقتصادي الصيني إلى الدرجة التي هو عليها الآن حيث تحولت الصين الشعبية إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تصورت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أن التحدي الأكبر الذي كانت تواجهه قد انتهى وبأن العالم انتقل إلى قيادة القطب الواحد، حيث إن روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي، خرجت ضعيفة، اقتصاديا وسياسيا.
عدة أخطاء سياسية كبيرة ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال إدارتها للعلاقات بين الدولتين الكبيرتين(روسيا والصين)، منها تسليم واشنطن وقناعتها بخروج وريث الاتحاد السوفيتي نهائيا من حلبة المنافسة الدولية واعتبار روسيا مجرد قوة «إقليمية» مصدرة للنفط وتمتلك ترسانة نووية كبيرة، بحسب رأي الرئيس الأمريكي الأسٍبق باراك أوباما، ثم عملت على محاولة عزل التقارب الصيني الروسي، لكن الخطأ الأكبر هو التعامل مع العملاقين الروسي والصيني كتعاملها مع الدول الصغيرة والضعيفة ومحاولة فرض إملاءاتها عليهما، واستهداف كل منهما اقتصاديا وجيوسياسيا.
هذا الاستهداف الأمريكي السياسي والاقتصادي، دفع بالبلدين الجارين إلى تعزيز علاقاتهما وتطويرها، ليس على الصعيدين الاقتصادي والسياسي فقط، وإنما على الصعيد العسكري أيضا، وقد أعطى هذا التقارب ثماره من خلال مواقفهما المتطابقة إزاء العديد من القضايا الدولية التي طرحت أمام مجلس الأمن الدولي.
هناك إمكانية لتطور التعاون الصيني الروسي إلى درجة تحالف اقتصادي عسكري، خاصة في ظل السعي الأمريكي المحموم للوصول بحلف الناتو إلى الحدود الروسية مباشرة (ضم أوكرانيا مثلا) واللعب بورقة تايوان لمواجهة صعود الصين، وبالتالي فإن قيام مثل هذا الحلف الروسي الصيني من شأنه أن يقلب الموازين الدولية رأسا على عقب، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا أيضا.
لقاء الرئيسين الروسي والصيني واللقاءات التي سيجريها الرئيس الروسي مع عدد من الحلفاء على هامش قمة منظمة شنغهاي في سمرقند بأوزبكستان ستشكل خطوة نوعية مهمة في إطار التحالف الروسي الصيني و التحالف الشرقي عامة في وجه تحالف الغرب.
*ملخص دراسة اعددتها لمركز “متن” للدراسات والبحوث.