الجنوب قبل بتحالف الضرورة والشراكة المرحلية المؤقتة
أصبح الجميع يدرك صعوبة وتعقيدات الأوضاع التي يجابهها مجلس القيادة الرئاسي ودرجة تشابكها وتداخلاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ ويدركون أيضاً الظروف التي تشكل بموجبها والأسباب التي أدت إلى ذلك وبكل خلفياتها السياسية والوطنية والتاريخية التي استدعت عملية نقل السلطة من الرئيس هادي إلى صيغة جديدة لرئاسة الدولة؛ وما يعنيه ذلك من تحول أكان على مستوى التغيير في بنية الشرعية والدور الجديد المنوط بها؛ أو على مستوى التوافق الذي يعبر عن مرحلة جديدة في إدارة وممارسة السلطة وفي أعلى هرم سيادي لها. إن المهمة السياسية الكبرى والأكثر صعوبة التي تقف أمام المجلس وتمثل التحدي الأكبر له في هذه المرحلة؛ هي في قدرته على جعل التوافق والشراكة التي تحكم عمل المجلس منطلقاً حقيقياً لخلق حالة من التفاهم البناء الذي يترجم عمليا أسس وقواعد تحالف الضرورة؛ ووضع آلية عمل واضحة بشأن المواجهة التي لا مفر منها مع الحوثة سلما أو حرباً؛ وفي نفس الوقت تفهم واقتناع واستيعاب الطرف الشمالي لمطالب وأهداف الطرف الجنوبي والإقرار بحق الجنوبيين في تحديد مسارهم واختيار مستقبلهم القائم على حقهم الأصيل في استعادة دولتهم الوطنية الجنوبية كاملة السيادة. إن موقف كهذا من جانب قوى الشمال التي تقف ضد الانقلاب في صنعاء أكانت ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي أو خارجه؛ وتسعى جادة لتحرير صنعاء وتخليص الشعب في الشمال من قبضة المليشيات الحوثية؛ سيكون له تأثيراً إيجابياً على صعيد تعزيز الموقف الجنوبي الداعم والمؤيد لهذه القوى بكل ما هو ممكن ومتاح لمساندتها عسكرياً ولوجستياً. أما بغير ذلك فإنها تخسر مثل هذا الموقف الجنوبي وتبرهن على عدم جديتها في مقاومة الانقلاب؛ وموقف سلبي كهذا من قضية الجنوب لا ينبغي بل وغير مقبول تبريره بما يقوم به الجنوبيين على صعيد إعادة بناء وتأهيل مؤسسات دولتهم التي نهبت ودمرت وعلى نحو ممنهج خلال ثلاثة عقود تمهيداً لعودتها عند حلول التسوية السياسية الشاملة؛ لأن ذلك لا يتعارض أبداً مع موقفهم الجاد والصادق في مجابهة المليشيات الحوثية وإسقاط الانقلاب. إنها مهمة جوهرية حاكمة تفرض نفسها على أجندة مجلس القيادة الرئاسي؛ وهي معادلة صعبة دون شك لجهة إيجاد التوازن والمواءمة بين مهمتين وهدفين مختلفين مرحلياً واستراتيجيا ولكنها ليست مستحيلة؛ وهو هنا مدعو لحل وتخفيف حدة المشكلات القائمة موضوعياً بين أطرافه؛ وتجنب حدوث التصادم بين تلك القوى التي تعبر عن ذلك؛ فهذا أمر في غاية الأهمية ويتطلب حضور العقل والحكمة والتصرف المسؤول وفي كل الظروف والأوقات؛ لأن قدرته على ذلك هي التي تحدد مصير بقائه كقيادة جماعية مؤقتة لمرحلة انتقالية استثنائية مؤقتة هي الأخرى. إن العمل بهذا الاتجاه وتحقيق النجاح المطلوب في إطار هذه المهمة؛ يمثل اختبارا حقيقياً أمام مجلس القيادة الرئاسي وقدرته على ممارسة سياسية مستوعبة للواقع؛ وبمقدوره تحقيق ذلك إذا ما توفرت الإرادة وصدقت النوايا وبعيداً عن المراوغة وسرقة الوقت؛ أو ممارسة التقية السياسية ولبس أقنعة المكر والخداع بهدف الإضرار بالشريك الجنوبي وبمشروعه الوطني المعلن؛ والذي على أساسه قبل بتحالف الضرورة وقبل أيضاً بالتوافق والشراكة المرحلية التي وضعت لها مهام محددة؛ وليس من بينها إلغاء حق الجنوبيين في استعادة دولتهم وبناء مؤسساتها ووفقاً لما تسمح به الظروف والإمكانيات.