من تاريخ أمارة الضالع (4)
1906.
بدأ الشيخ عواس من قبيلة الأحمدي في إظهار الاستياء تجاه الأمير.
وفي شهر يوليو، تمرد رجال قبيلة الشاعري على الأمير علانية بعد أن اشتكوا لفترة طويلة من خيانة الأمير واستبداده، وكانت المعارك ضارية طوال هذا العام. أبرم سكان جبل جحاف معاهدة مع الشاعريين ضد الأمير الذي كان يُحصّل رسومًا باهظة على التل الذين يعيشون عليه.
تم ارتكاب جريمة قتل في حزة العبيد (التابعة للأمير) لأحد الرعايا الأتراك على يد أهالي الحازة. ولم يستطع الأمير/ شايف، حل المسألة بطريقة مُرضية بسبب ضعف قبضته على السلطة.
بدأ فوج الرواد الحادي والثمانون تحسين طريق ممر خريبة.
حالت التغييرات المتكررة في رئاسة قائم مقام قعطبة منذ عام 1904 دون التوصل إلى تسويات مرضية لمسائل حدود مناطق الأمير، وانتشرت عمليات الانتقام من جانب العرب على جانبي الحدود.
وفي شهر ديسمبر، ذهب الأمير شايف شخصيًا إلى رجال قبائل ردفان لجمع المرتزقة لمهاجمة رجال قبيلة الشاعري الذين قاموا هم أيضًا بالتوجه الى منطقة مريس(التركية) للحصول على مساعدتهم بمقاتلين. استطاع المندوب السياسي من خلال مراسلة قائم مقام قطبة منع الأخير من الاستجابة للطلب.
تم تغيير أسلوب المسؤول السياسي في الضالع في أوائل العام إلى نفس أسلوب “المندوب السياسي”. وفي شهر ديسمبر، رافق الأخير المقيم السياسي إلى بومباي لمناقشة شؤون المناطق الداخلية مع سعادة الحاكم.
دفعت السلطات التركية خلال هذا العام إلى المندوب السياسي 400 جنيه إسترليني كما حدد المفوضون نظير خسارة الإيرادات التي تكبدها الأمير شايف أثناء الاحتلال غير المشروع من قبل الأتراك لمجموعة من القرى تسمى بلاد الأشراف.
طلب شمسي بك مسؤول الجمارك في شكع (التركية) حماية المندوب السياسي في الضالع. واتهمته سلطات قعطبة باختلاس أموال الدولة. تم رفض التهمة. حتى إن شمسي بك عاد إلى قعطبة بعد التأكد من إيفاد محاسب من صنعاء لفحص سجلاته.
1907.
وفي السابع من يناير، غادرت التشكيلات الرئيسية للقوات الضالع متوجهة إلى عدن، وظل المندوب السياسي في الضالع يرافقه 150 رجلًا من فوج الرواد الحادي والثمانين ومعهم بنادق آلية، وتم ترك 75 رجلًا في موقعي سلوق ونوبة دكيم على خط الاتصال.
جاء الأمير/ شايف، مع مرتزقته من تلال ردفان وحالمين.و تم تمثيل جميع سكان ردفان عدا القطيبيين الذين رفضوا الانضمام تحت رايته بسبب خلافاتهم التي لم تُحل معه بعد.
أبلغ الأمير/ شايف، المندوب السياسي أنه لن يقاتل الشعار حيث سيكون مثل هذا العمل غير مقبول بشكل واضح للحكومة. وخلال أسبوع واحد غير الأمير رأيه وهاجم الشعار ليلًا واستولى على “التلة السوداء” شمال الجليلة (الشاعرية). وفي صباح اليوم التالي، طرد رجال الجليلة نحو 400 رجل من رجال الأمير من التل عندما توقف الأمير عن القتال ودفع الأموال لمرتزقته.
واصل سكان جحاف الذين انخرطوا في قضية الشعار إطلاق النار بشكل متقطع نحو بلدة الضالع.
وفي شهر فبراير، قام بعض سكان منطقة مريس (التركية)، أثناء إقامة بعض الاحتفالات في حبيل سلامة (بلدة تابعة للأمير)، بنقل بعض رؤوس الماشية من قرية اميرية وتم إرسال إمدادات من سناح (التابعة للأمير). نتج عن ذلك قتال قُتل فيه رجل من جبن من قرية شخب (التركية) لكنه كان يقيم في حبيل سلامة وأصيب رجل من قرية مريس بجروح. أرسل الأمير مجموعة من الثيران إلى شخب لإرضاء أقارب المُتوفى. وفي هذا التوقيت طالب قائم مقام قطبة بتعويضات.
وذكر الأمير أن الشيخ محمد ناصر مقبل من الدريجه دخل بلاد الأحمدي وفرض الضرائب. وبعد التحري، تبين للمندوب السياسي أن هذا القول مبالغ فيه إلى حد كبير. وتم توجيه تحذير للشيخ عواس من الأحمدي، الذي كان مستاء من خصومة مرشح الأمير، مفاده أنه يجب عليه عدم طلب مساعدة العرب عبر الحدود لمساعدته على طرد خصمه. وبعد تلقي هذا الاحتجاج، أفاد المندوب السياسي أنه قد تم فصل من تجاوزوا الحدود وطلب وضع الأمير قيد المراقبة. كتب المندوب السياسي إلى قائم مقام قعطبة لإبقاء العرب الأتراك تحت السيطرة المناسبة. كان السكان بالداخل يرون أن الأمير بالغ في الحدث لصرف الأنظار عن شؤونه الخاصة وكسب تعاطفنا في منطقة أخرى حتى يضمن تعاوننا بشكل أفضل في رد اعتباره! وكانت هذه وجهة نظر المندوب السياسي.
وبنفس الطريقة، أفاد الشيخ ناجي عبد الله من قرية الدكام (التابعة للأمير) أن العرب الأتراك قد بذءوا فرض تقييم إيرادات على الأراضي الواقعة في الجانب البريطاني من الحدود، وطلبوا منه أيضًا تسليم العرب الذين لجأوا إلى قرية الدكام للتهرب من التقييم الباهظ للإيرادات التي يفرضها جامعو الجباية الأتراك.
ووجه الأتراك تحذيرًا إلى شيخ قرية الدكام من تشجيع هؤلاء على الإقامة في أراضيه وحذروه من منع العرب الأتراك من تحصيل عائداتهم المشروعة من الأراضي التركية التي انتقلت إلى منطقته بسبب ترسيم الحدود. وقال قائم مقام قرية الدكام الذي تمت مخاطبته بهذا الشأن في رده على هذين الأمرين، إنه خاطب شيخ الحشاء لرفع يديه عن عائدات الدام. وأضاف أن الشيخ ناجي عبد الله يبدو أنه يمنح حق اللجوء للأتراك الذين غيروا محل إقامتهم تهربًا من تحصيل الإيرادات المشروعة. طُلب من الأمير أن يتأكد من توقف الشيخ عن جميع التدخلات من شأنها التأثير على السلام على الحدود.
وفيما يتعلق بالاعتداء التركي المزعوم على بلدة الأحمدي، فقد أرسل قائم مقام عبد الله لطفي بك كتابًا إلى متصرف تعز لكبح حماسة محمد ناصر مقبل وأتباعه.
وفي شهر يناير، قُتل محمد حسين بشير من منطقة اليوبي (التركية) على يد رجل من حازة العبيد (التابعة للأمير)، وطالب القائم مقام بالتعويض. وبلغه أن الأمير وعد بتقديم المساعدة لكن يجب أن يتحلى بالصبر حيث كان ينصب اهتمام الأمير على مراقبة رجال قبيلة الشاعري. تم تذكير القائم مقام بأنه كانت توجد حالات مقابلة كثيرة وأن المعاملة بالمثل وحدها كفيلة باستتباب السلام على الحدود.
وفي شهر مارس، زار الأمير بنفسه عقال قبيلة الشاعري في بلدهم وذبح الثيران لإنهاء خلافاتهم المتبادلة. وتم الإعلان عن هدنة عامة مع الشعار. وبعد أسبوع من المناقشة، قرر الحاضرون طي صفحة الماضي وعفا الله عما سلف. وفضل الشعارعدم مناقشة مطالبة الأمير بالسلطة وقالوا إنهم سيكونون رهن إشارته إذا تبين حسن نيته.
وفي شهر أبريل، أفاد قائم مقام قعطبة بتزايد نشاط أهالي حازة العبيد في منطقة اليوبي.
وفي شهر يونيو، أوجز قائم مقام قعطبة شؤون الحدود التي لم يكن الأمير راضيًا عنها حتى ذلك التاريخ. وقد كان يخشى انتقام شعبه. طلب الأمير أن يفصل العرب أنفسهم في هذه الأمور، وقال إنه كانت لديه لفترة طويلة تعاملات شخصية مع شيخ اليوبي ويعتقد أن التسوية الودية لكل هذه الأمور القبلية أمر ممكن في المستقبل القريب. وقيل لقائم المقام إن المندوب السياسي نفسه وافق على هذا المسار.
رفض سكان الظبيات السماح باستبدال البغال الحكومية بإبلهم التي كانت تُستخدم لنقل المياه من البئر إلى عمال إشارة معينين على التل. وعندما تحمس الناس وقاربت المياه على النفاد، قام النقيب ريد، قائد الحراسة في الضالع، بزيارة التل في غياب المندوب السياسي عن المقر وتواصل مع المندوب السياسي عن طريق جهاز الإرسال والاستقبال () في نوبة الدقم. وبسبب عناد الناس وموقفهم المهدد، فوض المندوب السياسي النقيب ريد مؤقتًا تحصين المعسكر وطلب من نجل الأمير أن يرافقه للتفاهم مع سيد التل. ونظرًا للترتيب العسكري الممتاز، تم تهدئة رجال التلال ووافقوا على الالتزام بقرار المندوب السياسي. وعند عودته، تم سحب الرجال الإضافيين وتسوية الأمور.
وافقت الحكومة على اقتراح المقيم البريطاني بإطلاق سراح المتطرف علي بن سالم من سجن منطقة يرفدا الذي تم إرساله إليه بسبب محاولة اغتيال عضو في لجنة ترسيم الحدود.
وفي شهر يوليو، انتشرت الشكاوى من زيادة الرسوم التي فرضها الأمير في لحج والضالع على القوافل. أعلن الأمير أنه سيلتزم تمامًا برسالة اتفاقية عام 1888، وزعم أنه كان يجمع الإتاوات في الضالع من رعاياه فقط وليس من قوافل المناطق الأخرى.
وفي شهر أغسطس، غضب الشيخ الأزرقي مما زعم أنه مكيدة من الأمير في تنصيب ابن عم الشيخ حسين صالح كمنافس له، وبدأ تطبيق الجمارك والضرائب على القوافل على طريق مشورة. وعد الأمير بالتحري عن الأمر ووقف هذه البدعة وطلب من المندوب السياسي المساعدة!
وقعت عدة هجمات متكررة على عابري الطريق في حردبة (التابعة للأمير). استفسر الأمير عن الأمر وسجن أحد جنوده من معسكر حردبة في الضالع، لكنه أعلن أن الاعتداءات كانت من عمل البدو الرحالة والساخطين من أهل الصمان (القطيبيين). ونصحه البعض بزيادة قوة حامية حردبة التي كان قد وعد بها.
حاول مبعوث مزعوم من “الإمام”، ينتحل شخصية “مجنون” بناء منزل على جبل حرير على حدود منطقة الأمير. فطرده الدراويش المحليون ولكن بعد مناشدة نجل الأمير سُمح له بالعيش هناك. وأعلن أن لديه قوى خارقة وجمع حوله القليل من الأتباع من بلدة حالمين المجاورة. وقد تنبأ أيضًا بمعركة هرمجدون، ولكن لم يكن جميع الناس يثقون به حيث انقسم الرأي حول قدراته وورعه.
تم خلع العلامة الحدودية رقم 32 (عند حبيل الاخصر الخاضعة للأمير)، وطُلب من الأمير إصلاحها. ولم يكن الجناة معروفين لكن العمل ربما كان من عمل بعض الأوغاد الذين حاولوا استغلال خلافات الأمير مع رجال قبيلته.
وفي شهر سبتمبر، أُطلق سراح سجين يرفدا، وسُمح له، على سبيل المثال، بالذهاب إلى جدة حيث قرر عدم العودة إلى المناطق الخاضعة للأمير.
في يوم 28 قام المندوب السياسي ومرافقوه بإخلاء الضالع.
وفي اليوم التاسع والعشرين هُدم حصن سلوق على يد مجموعة من فوج الرواد الحادي والثمانين تحت إشراف المندوب السياسي. وبناء على طلب من الأمير، تم تدمير حصن حردبة أيضًا.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، سمح المقيم للمندوب السياسي بعقد مؤتمر في لحج للزعماء المعنيين بالحماية المستقبلية لطريق عدن- الضالع، وذلك لتحديد جوانب مسؤولية كل منهم. وكان يُعتقد أن هذا المؤتمر ضروري كإجراء ثانوي لإبرام اتفاقيات جديدة معينة مقترحة مع زعماء قبيلتي العلوي والقطيبي. وقد حضر هؤلاء المؤتمر مع أمير الضالع وبعض السادة وسلطان العبدلي. واتفق الحاضرون بالإجماع أثناء المؤتمر على ضرورة أن يهدم الأمير حصن حردبة، ووافق العلوي على بناء “دار القبطان”، كما وافق الشيخ القطيبي على هدم حصنه في تعز الذي تم بناؤه مؤخرًا مقابل تشييد دار القبطان إبان الحرب القبلية بين قبيلتي العلوي والقطيبي. كما طلب الشيخ العلوي، أثناء موافقته، من المندوب السياسي أن يرتب لهدم حصنه حيث من المحتمل ولو قليلًا أن يؤذي مشاعر القبائل. تم الاتفاق في هذا المؤتمر على أن يكون العلوي مسؤولًا عن الطريق من جميل علوي شمالًا وحتى موقع دار القبطان، بينما أسندت مسؤولية أمن القوافل وعابري السبيل من هذه النقطة وإلى الشمال بعد الحبيلين وحردبة (حيث تنازل الأمير للقطيبي) حتى صفا حيلية، إلى القطيبي. كما اتفق الحاضرون على عدم إقامة حصون جديدة إلا بموافقة المقيم، وعلى اعتبار هذه الترتيبات جيدة للطريق فقط، وعلى ألا يتم المساس بحقوق أي طرف أو بحقوق الغرباء، وعلى أن يتولى سلطان العبدلي الفصل في المنازعات التي تنشب بين قبيلتي العلوي والقطيبي على جانبي هذا الطريق بعد ذلك. وقبل أن ينصرف كل طرف في طريقه، أبرم سلطان العبدلي اتفاقية توثيقية (رقم 44، الملحق ب) بين الشيخين محمد صالح القطيبي وعلي ناصر العلوي، حيث تم تلخيص المضمون العام لنتائج المؤتمر.
(أنتهى )