“إخوان اليمن”.. كهنة معبد الخراب
في تسعينيات القرن العشرين علّق عضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان على زيارته إلى اليمن بعد حرب 1994 بقوله: “اعتدت زيارة أعضاء الجماعة في كل الدول داخل السجون، إلا في اليمن زُرتهم في القصور”.
يختزل هذا التعليق الموجز مدى ما يمتع به فرع اليمن من امتيازات نظير شراكته في سلطة حكم البلاد وما امتلكوا من معسكرات أمنية وعسكرية من خلالها تمت استضافة الأفغان العرب الذين حصلوا على جوازات سفر ورتب عسكرية في الجيش والقوات الأمنية للتغطية على حركتهم، وتمكينهم من التنقل.
وعليه أُسس “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، ضمن مخطط للتنظيم الدولي، الذي كان قد قرر مبكرًا أن يكون الجنوب العربي وطنًا بديلاً لأفراد الجماعة حول العالم.
ما كُشف عنه في “جامعة الإيمان” داخل صنعاء من كميات أسلحة وذخائر بعد الانقلاب “الحوثي” لم يكن سوى واحدة من حقائق التستر، التي تؤكد أن فرع الجماعة في اليمن كان مُعدًا للعدة ومتحفزًا للانقضاض على السلطة، وهو ما حاولوا له جاهدين بمحاولتهم التخلص من الرئيس “صالح” في تفجير جامع النهدين.
ومع سقوط صنعاء لم تخُض عناصر الجماعة معركةً تُذكر، بل إنهم سلموا للانقلابيين حتى غرف نومهم، وفروا من البلاد تاركين إياها تواجه مصيرها.
لم يكن هناك تفسير واضح لما حدث، حتى أظهرت وثائق أمريكية عام 2016 أن التنظيم الدولي كان قد اجتمع مع الحرس الثوري الإيراني على أن تتحول الجمهورية اليمنية لمنطقة استنزاف للسعودية والإمارات ردًّا على موقف البلدين المؤيد لثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 وإسقاط حكم “الإخوان”، وظهر تخادم فرع “الإخوان” اليمني مع مليشيات “الحوثي” وأسقطت الشرعية بتصعيد قيادات “إخوانية” تعمدت تسليم المواقع المحررة وتعطيل مشروع التحالف العربي بالوسائل التي يمتلكونها كافة.
اعتمد التنظيم الدولي فعليًّا جنوب اليمن كوطن بديل، معتقدًا أن سياسة الابتزاز التي ينتهجها فرع الجماعة اليمني قادرة على تحقيق الهدف المطلوب، وكان ذلك ما تسير عليه الأمور حتى اضطرت الشرعية المختطفة إلى توقيع اتفاق الرياض “نوفمبر 2019″، وامتلك المجلس الانتقالي الجنوبي فرصة كانت مواتية لتحجيم القوى الإسلاموية في المحافظات الجنوبية، إلا أن التأزيم السياسي والاقتصادي المتعمد مع التحولات الدولية والإقليمية أسهم في الدفع لتشكيل مجلس رئاسي أسقط جزئيا “إخوان” اليمن وأفقدهم اتزانهم.
التنظيم الدولي يعاني انقساماتٍ حقيقية بين قياداته في جبهتي إسطنبول ولندن، وفقد “غنوشي تونس” موقعه السياسي في تأكيد أن تراجعًا يحدث في قيادة التنظيم، وهو ما دفع بهم إلى الإيعاز لذراعهم اليمنية بمحاولة استعادة الموقع السياسي، الذي كانوا فيه من 1990 بعد صفقة الأحزاب الشمالية على شركائهم في الوحدة، وهذا ما يفسر اندفاعهم للتمرد في محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز، غير أن حساباتهم لم تكن دقيقة.
واستطاعت القوات المسلحة الجنوبية إخماد التمرد وكشْف حجم الأسلحة والذخائر المهولة في مقاراتهم المدنية، التي تستغل للتخزين وتحضير المفخخات والأحزمة الناسفة للتنظيمات الإرهابية.
التعامل بواقعية مع الأحداث والتطورات لا بد وأن يدفع بالمجلس الرئاسي لاتخاذ الخطوة الأكثر صرامة بحل الأحزاب الأيديولوجية.
فلا معنى أن يتستر “إخوان” اليمن بحزب سياسي ولاؤه للمرشد العام، ولم يقدم عملاً وطنيا يُذكر شمالاً وجنوبا، بل كان محرضا ومتخادما لتمرير أجندات ومخططات دول إقليمية، ومنفذا مطيعا لأوامر وتعليمات التنظيم الدولي، وحارسا لما تبقى من ميراث كهنة المعبد “الإخواني”، الذي بذره حسن البنا وسقاه سيد قطب.
يدرك “إخوان” اليمن أنهم يخوضون معركة وجودية نيابة عن التنظيم، الذي تهاوى، ولم يبقَ لهم سوى الجدار الأخير في معبدهم ووطنهم البديل اليمني، لذلك فإنهم يستميتون في هذه المعركة.
بالمقابل تدرك القوى الوطنية، وتحديدا الجنوبية، أن هدم المعبد “الإخواني” جزء أصيل من المعركة مع الإرهاب، واستعادة الجنوب لوسطيته ومدنيته، ولذا فهدم المعبد هو الحل للنفاذ إلى المستقبل.