فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج1
إبراهيم أمين مؤمن-مصر //
زالت الخطورة عن فهمان، وأول من علم بزوالها هو الرئيس مهدي الذي كان يتابع حالته من قصر الاتحادية لحظة بلحظة، وقرر فريق الأطباء إخراجه على إثر ذلك.
على مدار الفترة الفائتة كان جاك يتابع ما يفعله كاجيتا في FFC-2 بطريقته الخاصة منذ لحظة وصوله فيما عدا لحظة خروج كاجيتا من حجرة العناية المركزة لأنه بالأساس لم يره لحظتها، ولم يكن بوسعه فعل أكثر من ذلك (المتابعة) لأنه واقف على باب حجرة العناية المركزة ترقبا لخروج فهمان، ولم يجلس قط.
لذلك أول ما وصله الخبر بأن كاجيتا عاد مجددا للعمل على المصادم ذُهل، ولأول مرة يترك باب الغرفة ويركض كالعدّاء -مفكك الأوصال، ووجهه تحوّل من اللون الأصفر إلى الأحمر في غمضة عين- حتى وصل إلى غرفة العناية المركزة التي دخلها كاجيتا فلم يجده بالفعل.
فعاد سائرا مهزوما مكسور النفس ولزم باب فهمان مجددا، وجل فكره منصب ما بين الخوف على فهمان وما سيحدث للعالم لو تمكن كاجيتا من صنع قنابل الثقوب السوداء (لحظتها كان كاجيتا يحاول تحويل الطاقة إلى مادة كما أخبرتكم سابقا).
***
وبعد مرور بضع ساعات جاءه الخبر عبر الهاتف أن كاجيتا وفريقه حزموا أمتعتهم قاصدين اليابان. فأنزل الهاتف وانتفض جسده بشدة، وأخذ يتمتم بقوله: أكيد تمكن الملعون من صنع قنابل الثقوب السوداء. ولم يدر ما يدور حوله لحظتها، ولم يقطع عنه عدم إدراكه بما يدور حوله إلا عندما اصطدم “الترول” الذي يحمل فهمان به. عندئذ نسي كل شيء والتفت كل جوارحه إلى فهمان، وانتفض جسده بشدة عندما رأى كامل جسده مسجى.
فسأل أحد الأطباء بجسد يرتعش خوفا: «إياك أن تقول لي إنه …»
رفع المسئول الكمامة عن وجهه وقال: «إنه بخير فلا تخش دكتور جاك، لكنه في حالة غيبوبة.»
فور أن سمع منه ذلك كأن الروح التي انتزعت من جسده منذ لحظات قد عادت إليه وقال: الحمد للرب.
***
يرقد فهمان على سرير المستشفى وبجانبه جاك الذي لم يرفع عينيه عنه قط، كل همسة وكل لمسة وكل نفس يصدر عن فهمان تجد لها في جوارح جاك خنوع العبودية والخشوع لفهمان.
أما فهمان فهو في شأن آخر، فقد أتاه أبوه وهو نائم وقال له مستاء والغضب يتجول في ملامح وجهه: «لماذا أنت نائم؟ قم يا ولد فالعالم يحترق وهو بحاجة إليك، أدركْ فلسطين، أدركْ الأقصى.»
استيقظ فهمان على نداء أبيه، وشهق شهقة أفزعت جاك كثيرا، ثم ما لبث أن رفع يده اليسرى بشق الأنفس وهو يشير جهة الجدار الذي كان أبوه يقف فيه ويصرخ صراخا مكتوما: أبتِ، أبتِ لا تتركني. ثم داهمته الغيبوبة مرة أخرى.
انكب عليه جاك هلعا، يمسح جبينه الذي أغرق عرقه الوسادةَ في لحظات وقال: «لا بأس عليك يا صديقي، لا بأس، أنت بخير.»
قال جاك في نفسه: عزيمتك قوية يا فهمان، وعندما أزكاها أبوك لك ستبلغ عنان السماء، وايم الله إن هذا العرق الذي نز من جبينك كأنه المرض الذي غادر جسدك توا.
ولقد صدق حدس جاك، فقد استيقظ فهمان وقد شعر بتحسن غريب.
قبله جاك وحمد الرب على سلامته، لكن فهمان لم يقل له شيئا وإنما أخذ يفكر بعمق عن كيفية الوصول إلى الوتر الناري المهتز الذي يوصله للجسر الذي يعبره ويصل إلى الشيطان بعد دق بوابتهم.
فجأة التفت إلى جاك وقال: «جاك، جاك.»
نهض جاك وامتدت عنقه إليه وهو يربت بيده على كتفه ويقول: «لبيك، لبيك يا فهمان.»
– «هل من أخبار عن كاجيتا؟»
– «رحل عن مصر منذ بضع ساعات.»
– «بهذه السرعة!»
نظر فهمان في الجهة المقابلة لجاك، وتأسف قائلا والدمع على خديه: «رحيله بهذه السرعة يؤكد أنه قد أحدث أمرا، أخشى أن يكون قد تمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء.»
لم يعلق جاك واكتفى بالسكوت.
بعد لحظات قال فهمان بعد أن أدار وجهه مرة أخرى: «لابد أن أدرك كاجيتا قبل أن يفعل شيئا بهذا العالم، سوف تلتف حوله الشياطين وتوسوس له بفعل شيء به.»
قالها وأجهش ببكاء دموعه حارة كاللهيب، وقال بصوت متقطع: «جاك، لابد أن أدك الشياطين قبل أن يغووا كاجيتا. أرجوك ساعدني في الوصول إليهم.»
وظل يتوسل وجاك صامت لا يتكلم وإنما كان يحادث نفسه بقوله: هو صنعها بالفعل، وكم حذرتك يا فهمان أكثر من مرة بأن تمنع كاجيتا عن العمل على المصادم أو حتى تغلقه فلم تمتثل. أما سفرك إلى إبليس فلا أجد أي جدوى منه فضلا عن صعوبة الوصول إليه ومجابهته.
ترفق به جاك وقال والدمع يتفجر هو الآخر من محجري عينيه: «سأساعدك، حاضر، سأساعدك.»
نهض فهمان كالحصان وانطلقا معا إلى النفق لإجراء تجارب العبور إلى الشيطان.
***
جاء الخبر إلى يعقوب إسحاق بأن فهمان وجاك متواجدين أمام المصادم فتوجس شرا، قال أحد أعضاء المنظمة الماسونية له: «إني أرى أن تصدر أمرا باغتيال الاثنين معا خشية أن يحدث بينهما وفاق كما حدث بين بروفيسور بيتر والعالم المصري المغتال من قبل.»
قال يعقوب: «أختلف معك يا صديقي، أعتقد أن المنظمة لن توافقك الرأي، فرغم حب جاك لفهمان إلا أنه يدين بكامل الولاء للولايات المتحدة الأمريكية، بروفيسور بيتر نزل مصر من أجل مناصرة القضية الفلسطينية لذلك كان لابد من اغتيال العالم المصري والقبض على بروفيسور بيتر ورده إلى بلده، أما جاك فليس همه سوى الخلاص من الثقب الأسود المتواجد في مقدمة سحابة أورط.»
سكت لحظة ثم قال مستدركا: «كما أن الخلاص من جاك يفسح المجال للثقب الأسود بأن ينهي على العالم كله.»
قال العضو: «إذن لا جدوى من عرض الأمر على المنظمة.»
قال يعقوب: «سأكلف المخابرات الإسرائيلية بكافة أجهزته بأن يكثف جهوده في مراقبة فهمان وجاك، وسنخبركم بالتطورات لتقولوا فيه رأيكم الأخير.»
***
وقبل أن يشرعا في إجراء التجارب لخلق المعبر نحو بُعد الجنّ ناول فهمانُ جاك ورقة مكتوب فيها معادلة صنع قنابل الثقوب السوداء؛ تلك التي توصل إليها كاجيتا بعد جهد مضن وباستعانة آلي من كون آخر، وقال له وكلتا عينيه تتفجران دمعا: «أتظن أن كاجيتا توصل إلى هذه المعادلة أثناء فترة عمله على مصادمي؟»
قالها فهمان له وكان يرجو أن يجيبه جاك ب “لا” مع تأكده بأن كاجيتا قد توصل إلى المعادلة، لكنه كان يبحث عن بصيص من أمل، أي أمل يقلب الحقيقة.
نظر إليه جاك وقال: «لا جدوى من هذا الكلام الآن، علينا فقط بالبحث عن المعبر لأودعك الوداع الأخير.»
نكس فهمان رأسه في الأرض ولم ينبس بكلمة، أما جاك فرغم خوفه الشديد بتمكن كاجيتا من صنع القنبلة إلا أنه انتبه لقدرة فهمان الأسطورية في الوصول إلى معادلة قنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أي تجارب حتى قال في نفسه: أعلم أنك معجزة في إتقان الفيزياء النووية يا فهمان.
لم يجد فهمان أي بارقة أمل في أن يكون كاجيتا لم يتوصل إلى صنع القنابل، رفع رأسه من النظر إلى الأرض وقال: «إذن علينا بإنجاز التجارب حتى أمنع إبليس من تسخير الجان لأذني كاجيتا فيحدث أمرا بهذا العالم المسكين.»
طأطأ جاك رأسه إعجابا بعزيمته وإخلاصه ومع ذلك قال في نفسه: علي أن أحاول معه محاولة أخيرة قبل تلبية رغبته.
لذلك قال جاك: «فهمان، أعاود وأكرر، لا أجد جدوى من السفر إلى الشيطان، وإن كنت كما قلتَ تودّ السفر إليهم من أجل فضّ النزاعات بين القوى المتشاركة في الحرب النوويّة فإنّي أقول لك دعهمْ فلن يثنيهم عن حربهم شيء من هذا القبيل حتى لو قتلت الشياطين جميعًا، لأن نفس الإنسان هي المتحكمة في أفعاله وليست الشياطين. ولن يردع النفس عن غيها سوى ذل الأعناق، وثقب أورط سوف يأخذ بنواصيهم فيخضعون.»
قال فهمان: «يا جاك، وساوس الشيطان تعاضد النفس في غيها، وتردعه في خيرها، يا جاك، أريد للناس الهداية من غير الحاجة إلى ذل أعناقهم، لا أريد أن أسمع عن الحروب مرة أخرى، لذلك لابد من قتل إبليس.»
– «لو افترضنا أن كلامك صحيح، فهل تستطيع أن تقتل إبليس إذا نجحت في اجتياز جسر الشيطان؟ إني أرى أن المعركة غير متكافئة وقتْلك محتم ولا ريب.»
بُهت فهمان، وأنزل رأسه خزيا، وأخذ يتمتم بكلام غير مفهوم تعبر عن عجزه وضعفه؛ فهو يعلم قدرة إبليس الخارقة.
أما جاك فقد فرت الدموع من عينيه وهو يخاطب نفسه: تعلم أن ذهابك إليه فيها خطورة شديدة عليك ومع ذلك تود أن تقاتله، ما أعظم إخلاصك وتضحيتك يا فهمان!
رفع فهمان رأسه بسرعة مع رفع يده أيضا: «فور طرق البوابة ربما يفتح لي الملك محرز، ملك الجان الأحمر، عدو إبليس اللدود.»
أعجزه جاك مرة أخرى بقوله: «ربما يكون الملك محرز نفسه وأتباعه مكبلين بأغلال النار، ولم لا! ألا ترى أن إغواء إبليس لهذا العالم بلغت المشرق والمغرب!»
بُهت فهمان مرة أخرى، وقال لنفسه: ما قيمة الحياة في عالم كهذا؟ لابد أن أحاول حتى لو نسبة نجاح العملية 1%.
ترصد جاك ملامح وجه فهمان وأيقن أنه لا جدوى من الحديث معه في هذا الأمر، لذلك قال: «أعلم أنّ وترنا لابدّ أن يكون نارياً، لا هو طيني ولا نوراني.»
رفع فهمان رأسه مع رفع يده لأعلى مرة أخرى وبادره بالتفاعل فيما قال توا: «بالضبط، وسنضطر نبحث عنه من بين ملايين الثقوب المجهرية وهنا مصدر الصعوبة، فالبُعد الذي أود طرقه لأحلّ به واحد من هؤلاء، وبطبيعة الحال يا جاك فإنّ البُعد مرتبط بخصائص الثقب وشكله.
قال جاك: «إذن حانت ساعة الصفر، لنبدأ التجارب.»