الحوثي لن يتغيّر من دون تغيير على الأرض
ما همّ الحوثيين إذا عاش المواطن اليمني أو مات، إذا أكل أو لم يأكل… إذا وجد مدرسة يرسل إليها أبناءه أم لا؟ يعيش الحوثيون في عالم خاص بهم لا علاقة له بما يدور في العالم.
في ظلّ موازين القوى القائمة على الأرض، لا يمكن للحوثيين (جماعة أنصارالله) في اليمن دخول عملية سياسيّة تؤدي إلى الخروج من المأساة التي يعاني منها البلد. لا يزال باكرا الحديث عن مثل هذه العمليّة السياسيّة على الرغم من تمديد الهدنة شهرين آخرين.
كلّ ما في الأمر، أنّ الحوثيين، وهم أداة إيرانيّة بامتياز، يستغلون الهدنة لإعادة تنظيم صفوفهم من جهة وكي تُفهم “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران كلّ من يعنيه الأمر، من جهة أخرى، أنّ اليمن ورقة من أوراقها في المنطقة وأنّ على أميركا ودول المنطقة تقبّل ذلك.
كان مهمّا التخلّص من عبء الرئيس المؤقت عبدربّه منصور هادي الذي أمضى عشر سنوات في هذا الموقع ممثلا لـ”الشرعيّة”. ارتكب عبدربّه منصور، خلال وجوده على رأس “الشرعيّة”، كلّ الأخطاء التي يمكن ارتكابها في هذه الفترة الزمنيّة. من بين تلك الأخطاء تمكين الحوثيين من السيطرة على صنعاء ابتداء من 21 أيلول – سبتمبر 2014.
يصعب اليوم الحديث عن أي موضوع على علاقة باليمن من دون التركيز على اليوم الذي باتت فيه العاصمة اليمنيّة تحت السيطرة الحوثية، أي تحت سيطرة إيران. ما لبث الحوثيون أن تخلّصوا من الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي اختار البقاء في المدينة من منطلق أنّه سيكون لديه دائما هامش للمناورة يحميه من الرغبة في الانتقام التي لدى الحوثيين وإيران نفسها. لم يكن ممكنا للمسؤولين الإيرانيين تناسي أنّ الرئيس اليمني السابق، الذي حكم اليمن من صيف العام 1978 إلى حين تقديم استقالته في شباط – فبراير 2012، كان حليفا لصدّام حسين طوال الحرب العراقيّة – الإيرانية بين 1980 و1988.
يظلّ كلّ كلام عن حل سياسي في اليمن من النوع الذي لا معنى له في غياب القدرة على معرفة ما الذي يريده الحوثيون، أي ما الذي تريده إيران. لا جواب عن مثل هذا السؤال في الوقت الراهن باستثناء أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” تسعى، عبر كسب الوقت، لتعزيز قبضتها على جزء من اليمن (شمال اليمن تحديدا)، خصوصا في صنعاء وميناء الحديدة وعلى قسم من تعز حيث لديها جيبها الحوثي. استطاعت إيران، عبر “جماعة أنصارالله” عرقلة أي بحث جدّي في إعادة فتح الطرقات المؤدّية إلى تعز، عاصمة الوسط اليمني. هذا ما يفسّر مراوحة المفاوضات الدائرة في عمّان بين وفدي “الشرعيّة” والحوثيين مكانها باستثناء الاتفاق على تمديد الهدنة.
يجعل مثل هذا الاتفاق المبعوث الأممي هانس غروندبرغ قادرا على القول إنّه نجح حيث فشل سلفه البريطاني مارتن غريفيث الذي وقف خلف اتفاق ستوكهولم أواخر العام 2018. اعتبر غريفيث اتفاق ستوكهولم بمثابة إنجاز إلى أن تبيّن مع مرور بعض الوقت أن ذلك ليس صحيحا. كان ذلك الاتفاق المتعلّق بميناء الحديدة دليلا على وجود قدرة كبيرة لدى الحوثيين على المناورة بمباركة الأمم المتحدة وتغطيتها. سهّل اتفاق ستوكهولم لهؤلاء إحكام سيطرتهم على الحديدة في وقت كانت قوات يمنيّة بقيادة طارق محمد عبدالله صالح، ابن شقيق علي عبدالله صالح، تمارس ضغوطا قويّة على “جماعة أنصارالله” في محيط مدينة الحديدة والميناء.
نشهد حاليا مزيدا من المناورات الحوثيّة التي تقف وراءها إيران. تفرض هذه المناورات على غروندبرغ التنبّه إلى أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” ليست في وارد دفع الحوثيين إلى أي مفاوضات جدّية تؤدي إلى تسوية في اليمن. ليس ما يجبر إيران على ذلك، خصوصا أن لا ضغوط عسكريّة على “جماعة أنصارالله” الذين يفضلون استمرار الوضع السائد إلى ما لا نهاية وذلك بغض النظر عن المآسي التي يتعرّض لها اليمنيون. ما همّ الحوثيين إذا عاش المواطن اليمني أو مات، إذا أكل أو لم يأكل… إذا وجد مدرسة يرسل إليها أبناءه أم لا؟ يعيش الحوثيون في عالم خاص بهم لا علاقة له بما يدور في العالم. همّ هؤلاء محصور بالسلطة من أجل أن يكونوا أداة إيرانيّة لا أكثر.
من هنا، قد يكون مفيدا تفكير مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بطريقة مختلفة، خصوصا أنّه اكتشف أو سيكتشف قريبا، أنّ تغيير “الشرعيّة” ليس كافيا. مثل هذا التغيير ليس كافيا، ذلك على الرغم من أن مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد العليمي يمتلك قاعدة وطنية لا بأس بها على الصعيد الوطني. هذا يفرض، على سبيل المثال وليس الحصر، العمل من أجل إصلاح الأخطاء التي ارتكبت عندما كان عبدربّه منصور في الرئاسة. من بين هذه الأخطاء الدفع في اتجاه صدور القرار الرقم 2216 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. حسنا، فرض هذا القرار عقوبات على علي عبدالله صالح، ولكن أين المنطق في وجود عقوبات على ابنه الأكبر أحمد الذي يمكن الاستعانة به في حال كان مطلوبا توفير دعم سياسي وحتّى عسكري لمجلس القيادة الرئاسي.
في النهاية، لم يستكن الحوثيون ولم تخفّ عنجهيتهم إلّا بعد تعرّضهم لنكسة عسكرية في مأرب وشبوة على يد قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، في كانون الثاني – يناير الماضي. من يعتقد حاليا أنّهم صاروا مستعدين لدخول عملية سياسية ساذج إلى حد كبير. لن يتغيّر الحوثي من دون تغيير على الأرض ولا تغيير على الأرض من دون تهيئة سياسية أفضل لـ”الشرعيّة” وذلك مع كلّ الاحترام والتقدير للدكتور رشاد العليمي الذي يبقى شخصا تقنيا لديه علاقات واسعة، لكنه تنقصه القدرة على لعب دور القائد السياسي.
مرّة أخرى، ثمة حاجة إلى معرفة ما الذي تريده إيران في اليمن. الأهم من ذلك كلّه، في غياب وجه بارز في تشكيلة “الشرعيّة”، يبدو ضروريا العمل على توسيع قاعدتها من جهة والاستعداد عسكريا من جهة أخرى بهدف إحداث تغيير على الأرض بدل بقاء دوران اليمن في حلقة مغلقة تزيد حال البؤس التي يعاني منها بؤسا…