في ذكرى يوم 22 مايو .. حتى لا ينخدع الجنوبيون للمرة الخامسة
منذ اليوم الأول لتحقيق استقلال الجنوب وبناء دولته الجديدة جمهورية اليمن الجنوبية (ولاحقا الديمقراطية) الشعبية قامت العلاقة بين الجنوب والشمال، على مبدأين متناقضين، عبرا عن الحلفيتين الثقافيتين والأيديولوجيتين اللتين تحكمتا في سير الأحداث في اليمن وصولاً إلى ما نحن عليه اليوم من علاقة سريالية لا يفهما إلا قلة من دارسي الفنون التشكيلية المبنية على الغرائبية واللامنطق.
المبدأ الأول وهو الفلسفة السياسية للقسادة الجنوبية القائمة على إن “تحقيق الوحدة اليمنية هدف استراتيجي يمكن التضحية بكل شيء من أجله”، واستمر هذا الشعار دون استلهام المتغيرات الدولية والإقليمية التي عصفت بالعالم، كل العالم، بما في ذلك الجنوب نفسه ودولته خلال النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، فبعد أن كان الهدف تحقيق “اليمن الديمقراطي الموحد ذي الآفاق الاشتراكية، أصبح ما جرى لاحقاً هو تحقيق “اليمن الموحد” بلا ديمقراطية وبلا آفاق اشتراكية ولا حتى إنسانية أو مدنية.
المبدأ الثاني على النقيض مما سلف ذكره إذ كانت الفلسفة القائمة لدى حكام دولة الشمال الشقيقة منذ عهد الأئمة القاسميين وما قبلهم ، حتى عهد علي عبد الله صالح ورشاد العليمي، تقوم على ابتلاع الجنوب، من خلال ثنائية الأصل والفرع، والجزء والكل، و”واعتصموا بحبل الله” كتعبيرات منعَّمة وملطَّفة للغزو والابتلاع والاستباحة.
ولم تكن المشكلة تكمن هنا فقط، بل إن المشكلة تمثلت في أن الأشقاء وعلى مدى عقود من الزمن كانوا يتبعون القوة في الوصول إلى تحقيق هذه الاستراتيجية وعندما يفشلون كان اللجوء إلى الاتفاقيات والمواثيق والعهود وسيلة خداع ، وكانوا يوقعون على أي شيء حتى لو طُلِبَ منهم طلاء البحر باللون البرتقالي، فلا يهمهم ما تنص عليه المواثيق والعهود لأنهم يضمرون دوماً ما ليس منصوصاً عليه فيها من التزامات وتعهدات.
كان العام 1990 هو عام الخديعة الكبرى التي تعرض لها الجنوب والجنوبيون على أيدي أشقائهم في الشمال، وتتلخص هذه الخديعة في أن القيادة الجنوبية ذهبت إلى مشروع، (الوحدة ) بفلسفتها هي، وتجاهلت أو نست عدة اعتبارات من بينها التفاوت السياسي والفكري والخلفية الأيديولوجية ، والتباين الديمغرافي، والأهم من هذا فلسفة الطرف الآخر ونواياه، وربما انغشت بشعاراته ومخاتلاته واعتبر القادة الجنوبيون أنهم قد وحدوا الرؤية والموقف مع (شركائهم) وأن اليمن (الموحدة) ستغدو واحةً للديمقراطية والتنمية وصورةً للدولة المدنية الحديثة الأولى في الوطن العربي.
بيد إن ما اتضح لاحقا هو أن الأشقاء إنما أرادوا انتزاع المشروعية الدولية عن الجنوب (كما كشف أحد كبار وجهائهم) ، ثم قلبوا ظهر المجن لكل الاتفاقات الجميلة والخطابات الرنانة والوعود المخملية، واعتبروا أي مطالب للجنوبيين حتى لو تعلقت بكشف القتلة ومحاسبة المجرمين، ومقاومة الإرهاب المستورد عنوةً، اعتبروا كل هذا عملا انفصالياً.
ولن نتعرض لما جرى خلال الفترة التي سماها الفقيد المناضل عمر الجاوي بــ”الانتقامية” من جرائم ضد الجنوبيين، وقيدت كلها ضد مجهول، بما في ذلك جريمة التصفية الجسدية التي تعرض لها الشهيد العميد ماجد مرشد مستشار وزير الدفاع على يد والد العميد طارق عضو مجلس الرئاسة الحالي.