العرب اللندنية : التعاطي الأميركي مع أزمة اليمن يختبر حرص واشنطن على تجاوز الخلافات مع الرياض
تراهن أوساط سياسية يمنية على لعب المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة، دورا أكبر في الضغط على الحوثيين في اليمن لتمديد الهدنة المعلنة منذ مطلع أبريل الماضي، والتي تنتهي في الثاني من يونيو المقبل.
وتقول الأوساط إن العديد من المؤشرات تصب في صالح التمديد، في مقدمتها حرص إدارة جو بايدن على تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي تضررت بفعل السياسات الأميركية المتراخية، لاسيما في علاقة بالأزمة اليمنية.
وتوضح الأوساط السياسية أن الإدارة الأميركية تدرك جيدا وجود رغبة سعودية كبيرة في التوصل إلى تسوية للصراع اليمني المتفجر منذ ثماني سنوات، والذي كلفها الكثير ماديا، وأمنيا، حيث تعرضت المملكة على مدار السنوات الماضية إلى العديد من الهجمات التي طالت منشآت مدنية ونفطية.
وتشير هذه الأوساط إلى أن الرياض حريصة على إنجاح الهدنة، التي شكلت بارقة أمل للمرة الأولى في إمكانية حل النزاع الدامي، وقد قدمت المملكة كل التسهيلات المطلوبة من قبيل إعادة تشكيل مجلس رئاسي جديد، وتخفيف القيود على موانئ الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الجوية، والإفراج عن عدد من الأسرى الحوثيين.
في المقابل يقع الآن على عاتق المجتمع الدولي وواشنطن خصوصا التحرك بجدية للضغط على الحوثيين الموالين لإيران، لتنفيذ التزاماتهم بشأن الهدنة من قبيل إنهاء حصارهم للمدن اليمنية، وعدم السماح لهم بإجهاض فرصة تمديدها، حيث إن ذلك سيقود إلى تقويض أي إمكانية قريبة لإحلال السلام.
وتعتبر الأوساط أن تعاطي الإدارة الأميركية سيشكل بالنسبة للقيادة السعودية اختبارا حقيقيا لرغبة واشنطن في إصلاح العلاقات الثنائية. وبدأ نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الثلاثاء زيارة لواشنطن “إنفاذا لتوجيهات” ولي العهد محمد بن سلمان، حيث يشكل ملف الهدنة في اليمن أحد أبرز محاور هذه الزيارة، بحسب ما ذكر مسؤولون أميركيون في وقت سابق.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية الأربعاء بأن الأمير خالد اجتمع في العاصمة واشنطن بمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، وبحث اللقاء “العلاقات السعودية – الأميركية التاريخية الراسخة وآفاق التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في إطار الرؤية المشتركة بين البلدين الصديقين“.
وكان مجلس الأمن القومي الأميركي أعلن في وقت سابق عن زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، وعن جدول المباحثات التي سيجريها مع المسؤولين في واشنطن، وفي مقدمتها هدنة اليمن وأيضا الأزمة الأوكرانية.
وشكل الموقف السعودي المحايد من الأزمة الأوكرانية ورفض الرياض للمطالب الأميركية بزيادة إنتاج النفط، في سياق مسعى غربي لتشديد الضغوط على روسيا وحرمانها من العائدات المحققة من ارتفاع أسعار هذه المادة، هزة للإدارة الأميركية التي حاولت دفع القيادة السعودية إلى تغيير مواقفها، وذهبت مؤخرا إلى حد التلويح بقانون “نوبك”، وهو قانون يستهدف فرض عقوبات على الدول المنتجة للنفط، لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل.
ويرى مراقبون أن واشنطن باتت على قناعة بأن محاولات الضغط لن تجدي نفعا مع القيادة السعودية، وأنه في المقابل عليها التحرك بمرونة أكبر وإعادة النظر في سياساتها تجاه المملكة، وأخذ مطالبها وهواجسها بشكل جدي.
وترافقت زيارة الأمير خالد مع زيارة يؤديها وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك لواشنطن، حيث التقى بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن. وأكد بلينكن، خلال اللقاء الذي عقد بمقر الخارجية الأميركية، التزام بلاده بدعم إنهاء الصراع في اليمن.
وبحسب بيان للوزارة الأميركية، فقد تم بحث دعم الولايات المتحدة لتأمين الهدنة التي تفاوضت عليها الأمم المتحدة، والبناء عليها لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة تمكن اليمنيين من تقرير مستقبلهم.
وأشار بلينكن على وجه التحديد إلى أهمية ضمان حرية حركة الأفراد والبضائع عبر المناطق المتنازع عليها، مثل مدينة تعز ثالث أكبر مدينة في اليمن، حيث يعاني مئات الآلاف من اليمنيين في ظل ظروف شبيهة بالحصار ويتحملون وطأة الحرب.
وأعرب عن دعم بلاده لمجلس القيادة الرئاسي اليمني الجديد، ووصفه بأنه فرصة ثمينة لتمثيل اليمنيين على نطاق أوسع، معربا عن تقديره للالتزام الذي أعرب عنه المجلس تجاه جهود السلام وتحسين الخدمات الأساسية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للملايين من اليمنيين. في المقابل شدد وزير الخارجية اليمني على أن عدم جدية الحوثيين في الالتزام بالهدنة يضع المجتمع الدولي أمام اختبار للضغط عليهم.
وحذر وزير الخارجية اليمني من العودة إلى مربع الصراع بسبب عدم التزام الحوثيين بالهدنة، مشيرا إلى أن الحوثيين يماطلون في تنفيذ ما يخصهم من التزامات، خاصة رفع الحصار عن تعز.
ويفرض الحوثيون حصارا على محافظة تعز في جنوب غرب اليمن، ويرفضون حتى الآن الاستجابة لفك هذا الحصار، على الرغم من أن هذه المسألة تمثل أحد البنود التي تضمنتها الهدنة.
رفض الحوثيين فك الحصار عن تعز يجسد تعاطيهم الانتقائي مع بنود الهدنة ويعكس نوايا لديهم بشأن رغبتهم في استغلالها لتحصيل مكاسب
ويرى مراقبون أن رفض الحوثيين لفك الحصار عن تعز يجسد تعاطيهم الانتقائي مع بنود الهدنة، ويعكس نوايا لديهم بشأن رغبتهم في استغلال هذه الهدنة لتحصيل مكاسب من السلطة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها، وإعادة ترتيب صفوفهم لجولة قتال لن تكون كسابقاتها في حال تفجرت.
ويشير المراقبون إلى أن قطع الطريق على هذا التمشي الحوثي يستوجب على المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة، التحرك بفاعلية أكبر للضغط على الجماعة، وفي هذا السياق تأتي التحركات السعودية واليمنية.
وطالب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ مساء الثلاثاء بدعم مجلس الأمن الدولي لتمديد الهدنة. وقال غروندبرغ في كلمة للصحافيين عقب جلسة مشاورات مغلقة مع أعضاء المجلس “إن الهدنة لا تزال صامدة، رغم التقارير عن خروقات متبادلة بين أطراف النزاع (الحوثيين والحكومة) منذ اليوم الأول”.
وأكد أن اليمن لا يحتمل العودة إلى وضع ما قبل الهدنة من تصعيد عسكري وجمود سياسي مستمرين، “وأنه سيستمر في التحاور مع الأطراف لتخطي التحديات القائمة وضمان تمديد الهدنة”.
وأضاف “في الأسابيع الستة الماضية شهدنا تأثيرا إيجابيا ملحوظا على الحياة اليومية للكثير من اليمنيين. فقبل عدة أشهر، ربما ظن الكثيرون أن تحقيق هذه الخطوة أمر مستحيل”.
وأوضح أن على مدار الأسابيع الستة الماضية “انخفض عدد الضحايا في صفوف المدنيين بشكل ملموس. وكذلك انخفضت وتيرة القتال إلى درجة كبيرة، فلم تُسجّل أي هجمات جوية عابرة للحدود من اليمن ولم تكن هناك ضربات جوية مؤكدة داخل اليمن”. وشدد المبعوث الأممي على أهمية أن تدعم الهدنة بعملية سياسية تساعد على استمراريتها.
ومنذ نحو ثماني سنوات، يشهد اليمن صراعا مسلحا بين القوات الحكومية المسنودة بقوات التحالف من جهة، ومسلحي الحوثيين المدعومين من إيران من جهة ثانية، أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، فضلا عن جر البلاد نحو أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ بات 80 في المئة من سكانها بحاجة إلى مساعدات، وفقا للأمم المتحدة.
الأمناء نت