صحيفة دولية : إدارة بايدن تكتفي بتوصيف واقع الصراع اليمني دون إجراءات للضغط على معرقلي السلام
تقر الإدارة الأميركية بالجهود المبذولة من قبل المملكة العربية السعودية لإنهاء الصراع في اليمن، من خلال اتخاذ المملكة للعديد من الاجراءات على سبيل تشكيل مجلس رئاسي جديد ودعم الهدنة الأممية المعلنة منذ مطلع أبريل الماضي.
وتعترف إدارة الرئيس جو بايدن بأن الإشكال الذي يقف حجر عثرة أمام جهود السلام في اليمن يكمن في موقف إيران غير المتحمس للسلام، وسط تساؤلات حول متى تخرج هذه الإدارة من دائرة التوصيف لواقع متجسد، وتتخذ إجراءات عملية في الضغط على طهران وحلفائها الحوثيين لإجبارهم على الاستجابة لمقتضيات التسوية؟ وهي التي تردد دائما على لسان مسؤوليها حرصها على إنهاء الأزمة المتفجرة في هذا البلد العربي الفقير منذ ثماني سنوات.
ويرى مراقبون أن تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن الأزمة اليمنية لم تعد تلقى صدى لدى المسؤولين السعوديين ما لم تترافق مع إجراءات ردعية للأطراف المعرقلة، مستبعدين أن تقدم واشنطن فعليا على هذه الخطوة لاسيما مع استئناف التحركات لإنعاش فرص تمرير الاتفاق النووي مع إيران.
عدد الضحايا المدنيين في اليمن انخفض أكثر من خمسين في المئة منذ بدء سريان الهدنة مطلع أبريل الماضي
ويشير المراقبون إلى أن من الدوافع الأخرى لتجنب إدارة بايدن شن حملة ضغط على إيران وحلفائها بشأن اليمن، هو رغبتها في الإبقاء على الملف كورقة ضغط على السعودية، في ظل التراجع الكبير على مستوى العلاقات الثنائية، لاسيما بعد تمسك الرياض بالحياد في الأزمة الأوكرانية ورفضها الخضوع لمطالب الولايات المتحدة بشأن نقض التزاماتها مع روسيا في إطار التحالف المسمى “أوبك+”، وهو ما دفع واشنطن مؤخرا لإحياء مشروع قانون “نوبك” الذي يتيح فرض عقوبات على الدول المنتجة للنفط.
وصرح المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن ليندركينغ مؤخرا بأن السعودية مصممة على إنهاء الصراع اليمني، والبناء على التطورات الأخيرة كالهدنة وتشكيل مجلس رئاسي. وأشار ليندركينغ إلى أن أمام اليمن “فرصة مثالية لأول مرة لتحقيق السلام”، منذ اندلاع النزاع عام 2014، لكنه استدرك قائلا إن “السلوك الإيراني بتأجيج الصراع قبل الهدنة يبدو أنه لم يتغير”.
وأوضح المسؤول الأميركي في تصريحات لقناة “الحرة” الأميركية “على الجانب الآخر تبدو الدولة الأخرى المؤثرة في الصراع اليمني (إيران)، مقابل السعودية، أقل عزما على رؤية نهاية سلمية للصراع”. وأضاف “إنه لسوء الحظ، شجعت إيران الهجمات وأججت الصراع قبل الهدنة”، مشددا على أنه “لم يرَ أي تغيير في تصرفات إيران تجاه اليمن”.
وأقدمت السعودية التي تقود منذ العام 2015 تحالفا عربيا لدعم السلطة الشرعية في اليمن على الضغط باتجاه تشكيل مجلس رئاسي جديد، على أمل أن يتولى قيادة عملية السلام، بالتوازي مع حرص المملكة على دعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غرودنبرغ لتثبيت الهدنة المقررة لشهرين من خلال الالتزام بتنفيذ بنودها لاسيما في علاقة برفع الحصار عن موانئ الحديدة والسماح بوصول سفن الوقود، إلى جانب إطلاق سراح عدد من الأسرى الحوثيين كبادرة حسن نية.
في مقابل ذلك لم يقم المتمردون الموالون لإيران بتنفيذ أي من بنود الهدنة، باستثناء وقف الهجمات على المملكة، حيث لا يزال الحوثيون يفرضون حصارهم على عدد من المحافظات اليمنية وبينها محافظة تعز جنوب غرب البلاد، ويحشدون عناصرهم في عدد من المناطق، ويصرون على تعطيل استئناف الرحلات الجوية من خلال التمسك بشروط تبدو من وجهة نظر السلطة اليمنية غير واقعية.
رغبة أميركية في الإبقاء على الملف اليمني كورقة ضغط على السعودية
ويثير هذا التعنت الحوثي مخاوف من انهيار جهود الهدنة، التي تشكل فرصة نادرة للبناء عليها من أجل إطلاق مسار جدي لتحقيق السلام، في غياب أي ضغط دولي ولاسيما أميركي لدفعهم إلى تعديل سلوكهم.
وحاول ليندركينغ التهرب من سؤال حول إمكانية فرض عقوبات على الحوثيين، قائلا “سنراقب من كثب كيفية تصرف الأطراف. وتركيزنا الآن بالتأكيد منصبّ على الهدنة وإذا كانت ستصمد حتى الثاني من يونيو، وهذا ما نأمله”. وبيّن المسؤول الأميركي أن الولايات المتحدة ستنظر بعدها في إمكانية تمديد الهدنة والبناء عليها لتحقيق “وقف دائم لإطلاق النار”.
ورغم التعاطي السلبي للحوثيين مع الهدنة، وتعاملهم الانتقائي مع بنودها، إلا أن متابعين يرون أنها لا تزال صامدة بفضل الحرص السعودي والمجلس الرئاسي الجديد في اليمن.
ونجحت الهدنة الهشة في تخفيف وطأة الصراع سواء لجهة التراجع الكبير في عدد الضحايا، أو على الصعيد الإنساني.
وأعلن المجلس النرويجي للاجئين الأربعاء أن عدد الضحايا المدنيين انخفض أكثر من خمسين في المئة منذ بدء سريان الهدنة. وقال المجلس في بيان إن “إجمالي عدد الضحايا المدنيين بلغ 95 في أبريل، في انخفاض عن 213 في مارس”، نقلا عن بيانات من مشروع مراقبة الأثر المدني.
تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن الأزمة اليمنية لم تعد تلقى صدى لدى المسؤولين السعوديين ما لم تترافق مع إجراءات ردعية للأطراف المعرقلة
ونقل البيان عن مديرة المجلس النرويجي للاجئين في اليمن إيرين هاتشينسون قولها إن “الأرقام توفر دليلا واضحا على الفوائد من الهدنة”، مشيرة إلى أنه “خلال الشهر الماضي نجت العديد من العائلات من تدمير حياتها بسبب فقدان أفراد الأسرة في حرب لا معنى لها”.
وتابعت “من أجل الشعب اليمني ومستقبله، نأمل في أن تقوم أطراف الصراع بتمديد الهدنة”.
ويدور النزاع في اليمن بين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ومناطق أخرى في شمال البلاد وغربها، وقوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسبّب النزاع بمقتل أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو بسبب تداعيات الحرب.
وأكد المجلس النرويجي للاجئين أنه حدث “انخفاض كبير” في عدد الأشخاص الذين قتلوا أو أصيبوا بفعل الغارات الجوية أو القصف أو تبادل إطلاق النار، ولكنه أشار إلى أنه رغم التراجع الكبير في أعمال العنف، فإن عدد الضحايا من الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة بقي كما هو أو ارتفع.
وقالت هاتشينسون “نحث الأطراف المتحاربة على الالتزام بتعهداتها والعمل من أجل إيجاد حل سلمي لهذا الصراع الذي قتل بالفعل وشوه الآلاف وحرم الملايين من مصادر رزقهم”. ولفتت إلى أن “استمرار إصابة الناس وقتلهم بسبب الألغام يظهر الحاجة الماسة لسلام دائم، حتى تتم إزالة مخلفات الحرب هذه وإنقاذ المزيد من الأرواح”.