قمة عالمية في السعودية لتحديد مستقبل الطيران
تركيز جماعي على الابتكار ونمو الأعمال والاستدامة لتعزيز نشاط القطاع ودعم حركة السفر.
تحولت العاصمة السعودية الرياض إلى محور عالمي لجميع النشاطات المتعلقة بصناعة الطيران مع احتضانها لمؤتمر دولي يناقش مستقبل القطاع خاصة بعدما تضررت الشركات من قيود الإغلاق طيلة عامين.
ويناقش المشاركون في مؤتمر مستقبل الطيران الذي تستضيفه الهيئة العامة للطيران المدني السعودية على مدار ثلاثة أيام في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات والمعارض الاتجاهات المستقبلية لهذه الصناعة وكل ما يرتبط بها من مجالات.
ويستهدف المؤتمر الذي انطلق الاثنين ترسيخ تطبيق أعلى المعايير الدولية في مجال الممارسات البيئية التي تترجم توجهات الحكومات لضرورة المحافظة على المناخ والبيئة والحرص على عدم تلوثها أو الإضرار بها وفي نفس الوقت تطوير نشاط الشركات وتعزيز استثمارات البنية التحتية وترسيخ التكنولوجيا.
ويركز الحدث النادر الذي ينظمه أكبر اقتصادات المنطقة العربية على ثلاثة محاور رئيسية هي الابتكار والنمو والاستدامة بوصفها ركائز أساسية ومؤثرة في هذه الصناعة ولمواكبة التطورات المتسارعة في سوق الطيران.
ويرى خبراء في القطاع أن الطريقة الوحيدة للقيام بهذا الأمر هي التركيز على التنافسية بغية إقامة تعاون دائم للتمكن من الاستجابة لأي وباء مستقبلي وتأثيره على أعمال الشركات.
وخلال كلمته الافتتاحية أوضح رئيس الهيئة العامة للطيران المدني عبدالعزيز الدعيلج أن الاقتصاد العالمي يعتمد على نفسه في صناعة طيران دولية ومحلية مستدامة.
وقال إن “الوقت قد حان لوضع حد للصعوبات الاقتصادية التي يواجهها قطاع الطيران العالمي وأنه لا بد من العمل ضمن عقد شراكات لمواجهة الأزمات المستقبلية”.
ويواجه قطاع الملاحة الجوية معضلة صعبة في جهوده الرامية إلى مراعاة البيئة، حيث يخوض المحللون والخبراء نقاشات حول ما إذا بإمكان شركات الطيران المواءمة بين تسيير المزيد من الرحلات وخفض انبعاثات أساطيلها للمساهمة في جهود حماية المناخ.
ويرى خبراء أن مسح القطاع لبصمته الكربونية، والذي ينسجم مع الخطط العالمية لخفض الانبعاثات الملوثة للبيئة، يبدو مليئا بالتحديات قبل الوصول إلى الهدف حيث يتطلب وقتا أطول بالنظر إلى العديد من المحددات التي سترسم هذا الاتجاه.
وفضلا عن ذلك تبرز مسألة توظيف التكنولوجيا الرقمية في نشاط وأعمال القطاع كتحدّ جوهري حتى تستطيع هذه الصناعة تخطي أي عقبات قد تعترضها في المستقبل.
وأكد رئيس مجلس منظمة الطيران المدني الدولي (آي.سي.أي.أو) سالفاتور سكياتشيتانو في تدخله في اليوم الأول للمؤتمر أن صناعة الطيران قدمت قبل الأزمة الصحية تريليون دولار من النشاط الاقتصادي.
وقال “نحتاج إلى التعامل مع قضية المناخ في قطاع الطيران باعتبارها مسألة ملحة ولاسيما أن تطوير منظومة الطيران المدني الدولي تقدم فرصة لتعزيز التعاون على مستوى العالم”.
وتظهر مؤشرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) أن شركات الطيران حسنت فعاليتها في مجال الطاقة خلال الفترة الفاصلة بين 2009 و2019 بنسبة 21.4 في المئة لكن ذلك لم يحل دون زيادة انبعاثات القطاع.
وتشير الإحصائيات الدولية الرسمية إلى أن طائرات القطاع نقلت في 2019 قرابة 4.5 مليار راكب، مُصدرة 900 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي نحو اثنين في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية.
ومن المرتقب أن يتضاعف عدد الركاب بحلول 2050، ما سيؤدي إلى تضاعف كمية الانبعاثات إذا استمرّ الأمر على هذا المنوال.
وأشار سكياتشيتانو إلى أن وثائق السفر الرقمية ستلعب دورا مهما في الارتقاء بتجربة المسافرين وجعل عمليات الطيران العالمية أكثر مرونة وسلاسة.
ودشنت السعودية فعاليات المؤتمر بالكشف عن استراتيجيتها للطيران التي تستهدف مضاعفة الحركة الجوية إلى ثلاث مرات بنهاية العقد الجاري مع الوصول إلى 250 وجهة مباشرة من وإلى مطارات البلاد، بجانب تدشين ناقل جوي جديد.
وقال وزير النقل صالح الجاسر إن بلاده “ستكون خلال السنوات العشر المقبلة المركز الرئيس للطيران في الشرق الأوسط والخيار المفضل بفتح السوق للاستثمار الأجنبي”.
وذكر أن ذلك سيتم من خلال جذب استثمارات من القطاعين العام والخاص بنحو 100 مليار دولار.
ولدى الحكومة استراتيجية للنقل والخدمات اللوجستية لتوفير فرص استثمارية كبيرة، وتحويل البلد الخليجي الثري إلى مركز للطيران العالمي.
وأعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في يوليو الماضي عن خطط لتحويل أكبر اقتصادي عربي إلى مركز عالمي للنقل والخدمات اللوجستية بحلول عام 2030 لجذب أكثر من 330 مليون مسافر سنويا والوصول بمستوى الشحن إلى 4.5 مليون طن من البضائع.
وتهدف الاستراتيجية إلى استثمار 133.3 مليار دولار وهي جزء من سياسة اقتصادية لتوفير فرص عمل وتقليل الاعتماد على عائدات النفط.
وتضع هذه السياسة، التي تشترط الحكومة بموجبها أن تنقل الشركات مقارها الإقليمية إلى المملكة، السعودية في منافسة مع الإمارات، إذ يتمثل نموذج الأعمال الرئيسي لشركة طيران الإمارات المملوكة لحكومة دبي في الطيران العابر.
وتخطط السعودية لتأسيس شركة طيران جديدة مقرها الرياض، بينما تتمركز عمليات الخطوط الجوية السعودية، الشركة الحكومية التي يبلغ عمرها 77 عاما، في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر في إطار استراتيجية النقل التي تستهدف إنشاء مركزين.
وكان الدعيلج قد أكد عشية المؤتمر أن هذه القمة العالمية تعد حدثا دوليا نوعيا وفريدا في قطاع الطيران المدني. وأرجع ذلك إلى كونه “يشكل فرصة سانحة لتبادل الأفكار والوقوف على أفضل التجارب والممارسات” لمواكبة التطورات المتسارعة في سوق الطيران.
وأضاف في تصريحات صحافية الأحد الماضي أن “المؤتمر يعد رافدا من روافد تحقيق المستهدفات في تنمية الموارد والقدرات” وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالتغيرات المناخية.
ومن المتوقع أن تشهد أيام المؤتمر الذي تحضره 60 دولة وأكثر من ألفي مشارك عقد صفقات بمليارات من الدولارات وتوقيع ما يزيد عن 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.