حتى لا تضيع الفرصة اليمنية
كل استدعاءات التاريخ تعطي مدلولات قاتمة، فهذا هو اليمن جنوبه وشماله متلازمة الحوار والحرب هي واحدة من الخصال السياسية كما هي كذلك الألغام المتفجرة التي انتهت عليها كل تجارب المجالس الرئاسية في الشطرين الشمالي والجنوبي، بل وحتى الوحدوية، فلقد كان أول مجلس رئاسي في حقبة الدولة الواحدة بمجلس تشكل كذلك من القوى السياسية الفاعلة على الأرض، وكانت حزب المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي وحزب التجمع اليمني للإصلاح، غير أن تحالفات القوى الشمالية تكتلت وطعنت الجنوبيين في خاصرتهم. هذا هو التاريخ بكل ما فيه، فلا يمكن استبداله كما لا يمكن تجاهله، ولكن يمكن الاستفادة منه والاتعاض به، ما أفضت إليه مشاورات الرياض كان تحولاً دراماتيكياً كطبيعة التحولات في اليمن بجنوبه وبشماله بتجاوز عقبة ما كان يسمى بالشرعية التي تكلست بالفساد السياسي والإداري والانحراف الأيديولوجي باختطاف المؤسسة السياسية وتوظيفها لتحقيق مصالح التنظيم ولرعاية قضايا الجماعة، ما نتج عن المشاورات في العاصمة الرياض كان أكبر من مجرد تغيير في التوازنات الداخلية من دون ربطها مع العوامل الإقليمية والدولية. تحقق الأهم بإزاحة المعطل السياسي والعسكري فيما مثله تحالف عبدربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر من بعد استحواذهم على السلطات السياسية المطلقة، تشكيل المجلس الرئاسي بكل التداخلات هو أفضل الحلول دون أدنى شك في ذلك، فالمجلس بتوازناته والتي يغلب عليه التوافق العام ضد الحوثيين، كفكرة مذهبية مستوردة وكمكون سياسي نافر عن شركائه، فيما يفترض أنه وطن يشتمل الجميع. زاوية الالتقاء تبدو متوافقة بين شركاء المجلس، وهو ما منح للمرة الأولى حالة من الانتشاء السياسي لم تحدث عبر عقود مضت في التاريخ اليمني جنوبه وشماله. المعضلة اليمنية في المشاريع والمبادرات السياسية تظل واحدة، وهي في غياب النهاية الطرفية لكل مبادرة قدمت شمالاً وجنوباً وحتى في إطار ما كان قائماً في الوحدة. الفرقاء دائماً يجتمعون كما فعلوها عبر تاريخهم السياسي في ثلاثة مجالس رئاسية 1962 شمالاً و1967 جنوباً و1990 وحدوياً وكل تلك المجالس كانت بمثابة ألغام متفجرة تماماً كما كانت عليه وثيقة العهد والاتفاق التي رعاها الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال وانتهت بغزو الشمال للجنوب ونهاية قطعية للجمهورية اليمنية. حتى المبادرة الخليجية لغياب النهاية الطرفية فيها تحولت للغم انفجر انفجاراً هائلاً، وهو ما يستدعي التقاط اللحظة وانتهاز الفرصة المواتية باستدعاء الواقعية السياسية في الانتشاء العام حول تكوين المجلس الرئاسي والاستناد على واقعية القوى الممتلكة في الحقيقة لمشروعها السياسي الذاتي حتى وأن تعارض مع غيره من الشركاء، لذلك لابد للقوى الراعية الإقليمية تحديداً في السعودية والإمارات دعم عقد مؤتمر أو لقاء سياسي بين مكونات المجلس لوضع رؤية استشرافية تضع الأطراف أمام مستقبلهم، وتلغي الغموض الذي من خلاله تتسرب الشكوك. اليمنيون شماليون قبل الجنوبيون باتوا على إدراك أن استحالة البقاء في إطار سياسي يعيش انقسامات حادة، فلقد دفع الجميع الثمن باهظاً بحرب غذتها الطائفية واستدعت كل المواريث القديمة ونفخت في الجمرة المدفونة عبر السنوات. الكل اكتوى من لظى الحرب وفقرها وجوعها وظلمها، والكل مستعد للجلوس بمسؤولية لاستشراف مستقبل اليمن، فلا فك ارتباط الجنوب عن الشمال محرماً ولا الارتضاء بنظام توافقي مؤقت حتى الاستفتاء ممنوع. فالفرصة المواتية تدعو للنظر إلى المستقبل بعيون تعيش هذه الحقبة غير المتماثلة مع غيرها، فالعدو واحد والشركاء متوافقون على أنهم ضحايا الانفراد بالسلطة والاستقواء بالسلاح، ثم الاستناد على قوى خارجية باغية، هذه فرصة لم يعرف لها اليمن مثالاً يمكن أن تنقل البلاد إلى طريق آمنه أن استدركت الحالة واستثمرت بطريقة صحيحة.