مقالات وكتاب
بداية موسم بذار الذرة
اليوم بدأ موسم (الذَّرِيء) أو (الذَّري)، أي بذار تلك الحبوب التي تُنتقى بعناية من موسم الحصاد الفائت ويحتفظ بها بطريقة تبعدها عن الفساد، لاستعمالها في بذر الأرض في مثل هذه الأيام خاصة بعد أن ينعم الله بالمطر التي تسقي الأرض، كما حدث هذا الصيف في مناطق كثيرة من يافع ، فيما ينتظر البعض أن يمّن الله عليهم بالغيث للحاق بموسم الذري حتى نهاية مايو الجاري.
ما أجمل منظر الأرض وهي تستقبل حبوب البذار وتصدح من حناجر المزارعين المواويل الزراعية .. خاصة اقوال الحميد بن منصور:
قال الحميد ابن منصور
يا ليتني وقت صيفي
بَتُول وا قع ثلاثه
سَالِقْ وذَارِيْ ودَكَّاك
واسْلُق سُلق مِثْل لَمْيَال
مِـثْـل السِّـهُـوم الْـقَـدِيِّــهْ
يعبّر الحميد هنا عن ما يفكر به كل مزارع في وقت الصيف حيث تكثر الأعمال، وخاصة في أيام البذار (الذَّري)،حيث يتمنى الفلاح أن يقوم بما يقوم به ثلاثة مزارعين في آن واحد. والسالق هو من يمسك بالمحراث ويشق الأتلام في الأرض، والسلق (فصيحة)وهو مسيل الماءَ بينَ الصَّمْدَيْنِ من الأرْضِ أو المُسْتَوِي المُطْمَئنُّ من الأرْضِ. والذاري من يقوم بنثر الذريء، وفي الفصيح: بذار الزَّرْعُ أَوّلُ ما تَزْرَعُه ويسمى الذَّرِيءَ وذَرَأْنا الارض بَذَرْناها وزَرْعٌ ذَرِيءٌ على فَعِيل والصحيح ثم ذَرَيْتَ غير مهموز. والدَّكاك من يقوم بردم التربة على البذور أو كسر الكتل الترابية الناشئة بعد الحرث وتسويتها بالأرض. وفي الفصيح: دَكَكْتُ الشيء أَدُكُّه دَكّاً إذا ضربته وكسرته حتى سوّيته بالأَرض ومنه قوله عز وجل: (فَدُكَّتا دَكَّةً واحدة). ومن أقوال الحميد الأخرى:
قال الحميد ابن منصور
ذريت والذاري الله
هو ذي يتم المذاري
قال الحميد ابن منصور
ذَرْيْ الذُّرَهْ عدِّدُوها
على الخُطا والمَوَاهِرْ
والذرة هي الغلة الرئيسية التي يعتمد عليها الناس في يافع في طعامهم.
ويوضح الحميد طريقة وضع البذور(الذري) بطريقة صحيحة ومحسوبة، لأن الإكثار منها يفسد المحصول ويجعله ضعيفاً والإقلال منها يقلل من المحصول عند الحصاد.
قال الحميد ابن منصور
نا جارك اليوم يالله
من البَدَا والزماني
والقَفْوْ بعد امَّذاري
البدا: الشر. الزماني:الجوع. قفو المذاري: المطر بعد الذري مباشرة.
قال الحميد ابن منصور
يا لَذِّ مَا يخلُق الله
صَيْف الذُّرَهْ يوم يبكر
وضيف عالضيف يدفر
أي ليس أروع ولا أجمل بالنسبة للمزارع من مطر الصيف المبكر لأن الذرة لا تزرع إلاَّ في حينها، ومثل ذلك توافق قدوم الضيوف، ودفر بمعنى وفد أو جاء. وفي نفس المعنى يقول المثل اليافعي (من حبه الله جمع ضيفه).
قال الحميد ابن منصور
ما أحلى البلد يا محمد
ما أحلى البلد بالشواجب
مثل النساء بالحواجب
يشبّه الحميد (شواجب) الأرض الزراعية بحواجب المرأة التي كانت وما تزال من مميزات جمالها الفاتن، و(الشواجب) ومفردها شَاجِبِهْ هي أتلام تختتم بها حراثة الأرض الزراعية من طرفيها عرضياً.ولا شك أن الحميد الذي جُبِلَ على حب الأرض لا يرى جمالها وهي تُحرث إلاَّ باكتمال زينتها النهائية عند إتمام العمل كاملاً. ومثل ذلك قوله:
قال الحميد ابن منصور
نقش الجِرَبْ بالشَّوَاجِبْ
والبيض نقش الحواجب
قال الحميد ابن منصور
بَتُول ذي ما يَشَجِّـبْ
سِوَى وما ظَلْ يعمل
ويرد هذا القول بصيغة أخرى:
بتول ذي ما يشجب
سوى وما قال بالله
شَجَّب بمعنى حرث “الشاجبة” من طرفيها بشكل عُرضي (كما نلاحظ في الصورة) وهي نهاية العمل. والحميد يحث هنا على انجاز العمل حتى نهايته.
بتصرف من كتابي (الحكيم الزراعي الحميد بن منصور – شخصيته وأقواله)