مقالات وكتاب
حينما بَيَّن “العُر” ناعره
في ذكرى تحرير”جبل العر”:
يا (العُر) يا (العُر) بيّن ناعرك لا انت عُر
والاّ فخَل الحيُود العاليه وانت قر
لم يخاطب الشاعر المرحوم بن سواده البكري في لحظة استفزاز تعرض لها في حلبة الشعر ذات مرة قبل أكثر من مائة عام في حفل زفاف سوى “جبل العر”، طالباً منه منه دون غيره من الرواسي الكثيرة في بلد الجبال والرجال –يافع- أن ينعر بناعره، ويصيح بصوته المسموع والمدوي، إلا لادراكه لما لجبل “العُر” من أهمية خاصة واستثنائية في الذاكرة الشعبية، كرمز للإباء والعزة والشموخ، إذ ارتبط اسمه بالمواجهات مع جنود الأئمة الزيود الغزاة منذ عهد الدولة القاسمية أثناء محاولات تمددهم صوب الجنوب.
لم يقيَّض للشاعر البكري أن يعيش لحظة شكوى جبل “العر” من الغزاة الجدد أخلاف الأسلاف الزيود الذين جثموا على كاهل هذا الجبل الشامخ بعد حرب 1994م، فأبى أن يقبلهم أو يرضى بوجودهم الثقيل، فصاح مستجيراً برجال يافع والجنوب، فسمع شاعرهم شكواه وبادره بالجواب بلسان قومه يقول:
يالعر لا تبكي ولا تشكي
الصبر منك والوفاء منِّي
اقسم برب العرش ما نخضع
لو نقتلب عالمعتدي جنِّي
لم يطُل صبر الجبل الاسطوري كثيرا، فقد عانى من معاناته كل أهله ومحبيه الذين يأبون الضيم ويفضلون الموت على الحياه، دون الخضوع للغزاة أسوة بأسلافهم الأباة.. وحينما ضاقوا ذرعاً بالممارسات الاستفزازية اجمعوا على تحرير رمز وجودهم، كما في مأثورهم الشعبي القائل (لا العر باقي فيافع بالوجود).. ولهذا أعدوا العدة والعتاد ورتبوا الصفوف والأجناد بما تيسّر لديهم من زاد وزناد، وحين اقتربت الساعة صرخ شاعرهم مخاطبا “العر” باقتراب موعد النصر:
يالعر لاتأبة رجالك جاهزه
سرمد وحيد العُر مقبرة الغزاه
العهد سابق والشواهد بارزه
والمعتدي لابد ما يلقى جزاه
أبطال يافع ما بتوقف عاجزه
واليافعي عالحق ما يقبل عَزَاه
دَحن المكاتب لعشرة متناهزه
والموت عند الحر أشرف من خزاه
وفي اليوم المشهود 20 ابريل من عام 2011م اندلع أوار معركة تحرير “جبل العر” لاستئصال شأفة الوجود الغريب الذي عانى من ويلاته الناس واستفز وجودهم وقيد حريتهم، فهبوا ملبين النداء من كل فج ودار من يافع ومن غيرها من مناطق الجنوب، ورغم عدم تكافؤ القوة إلا أن الصناديد الأبطال والفرسان الشجعان صنعوا ملحمة الانتصار ونسجوا خيوطها ليل نهار على مدى 12 يوماً من القتال والإقدام والحصار، واستبسل الأبطال دون خوف يتسابقون على صدارة الصفوف، وتقدم الزحوف، غير هيابين لملاقات الحتوف، وصنعوا النصر المؤزر في ملحمة تحرير جبل العر يوم 2مايو 2011م التي يصادف اليوم ذكراها السابعة.. ونتذكر في هذا اليوم الأغر أولئك الأبطال الميامين ممن صنعوا بدمائهم الزكية لوحة النصر المبين..إنهم الشهداء الأبرارالذين نحسبهم عند الله من المُصطَفَينَ الأَخيَار وهم:عبدالسلام سعيد التركي المفلحي، وناصر عبدالله بن هرهرة الفر يدي وعادل حسين الصلاحي، وأصيب وجرح من الأبطال القيادي عبدالعزيز المنصوري وعارف الربيعي..كما نذكر في هذه المناسبة بكل تقدير واعتزار من قادة هذه الملحمة الذين ابلوا بلاءً حسناً القائد محمد صالح طماح والقائد سالم صالح الحطيبي وآخرين غيرهم، فلهم كل تحية وعرفان لهم ولكل الأبطال الشجعان الذين صنعوا أول ملحمة بطولية في الجنوب بتحرير جبل العر وطهروه من تواجد الغزاة، فكان هذا النصر الحاسم فاتحة الانتصارات التي حفزت شعبنا الجنوبي وهيأته لمواجهة جائحة العدوان في العام 2015م وطرد الغزاة شرد طرده بدعم من الأشقاء في التحالف العربي..
مما يجدر ذكره أن قوات الحرس الجمهوري التي كانت مرابطة في جبل العر قد مُنيت في هذه المعركة بأول هزيمة ساحقة في الجنوب منذ 94م وتكبدت خسائر فادحة تقدر بالعشرات ما بين قتلى وجرحى وأسرى , وتدمير عدد من الدبابات والآليات ألعسكرية وانسحاب قائد المعسكر مع عدد من جنوده المتبقين صاغرين من سفح ألجبل تاركين خلفهم عدد من الدبابات والمدافع والأسلحة والذخائر التي غنمتها المقاومون الأبطال قبيل أيام من قيام الطيران الحربي للرئيس المخلوع حينها بقصف بقايا المعسكر حتى لا يستاثر الأهالي بما تزخر به خزائن المعسكر من أسلحة وذخائر، لكن بعد فوات الأوان.
ونذكر أيضا أنه تجلى في ملحمة الانتصار في معركة “جبل العر” وبأروع الصور الترابط والتعاضد الأخوي مع أهلنا من قبائل آل حميقان المجاورة ليافع الذين تصدوا بكل شجاعة وبطولة للتعزيزات العسكرية القادمة من البيضاء واعترضوا سيرها وأبوا أن تكون بلادهم جسر عبور لها لدعم قوى العدوان المحاصرة في العر، واشتبكوا مع تلك القوات وكبدوها خسائر كبيرة وارغموها على الرجوع واستشهد منهم في غمار المواجهة اثنان هما: الشهيد البطل علي عبد القوي الحميقاني، والشهيد البطل إبراهيم عبداللاه الحميقاني وإصابة اثنين آخرين, وهذا الموقف ليس بغريب على أهلنا في بلاد آل حميقان فقد ربطتهم بيافع عُرى الأخوة وجمعت أجدادهم مواقف بطولية مشتركة مماثلة في مواجهة أسلاف الحوثيين من الغزاة الزيود.. واستحق آل حميقان الإشادة بموقفهم هذا الذي لا يُنسى، كما في قول شاعر يافعي:
حيُّوا الحميقاني رموز المرجله
بانت مواقفهم وبانين الحسان
واليافعي وافي بشرع القبيله
بنرد موقفهم ولو طال الزمان
مادام نبراس الوفا نتبادله
تبقوا ونبقى درع واحد بالامان
وصح ما قاله الشاعر فها هي يافع ترد الجميل وتؤازر أبطال آل حميقان هذه الأيام في مواجهاتهم لجحافل الغزاة الحوثيين وتقدم الدعم والمساعدة لهم في تبادل للوفاء والمواقف في الظروف الصعبةفي هذا الأوان، كما في غابر الزمان.
في الختام وفي هذا اليوم الذي يصادف الذكرى السابعة لمعركة تحرير جبل العر لا ننسى الإشادة بأسرة آل بن شهيون الكرام الذين الذين خصصوا جائزة تحمل اسم “جبل العر” لمكانته التاريخية والرمزية ليافع خاصة والجنوب عامة, وسموها (جائزة العُر للإبداع وخدمة المجتمع)، وكم كان صنيعهم موفقا حينما منحوا نسختها الأولى في العام 2014م لأسر أولئك الشهداء الأبرار الذين بذلوا أرواحهم رخيصة من أجل تحرير جبل العر عام 2011م وهم الشهداء: عبدالسلام سعيد التركي وناصر عبدالله بن هرهرة وعادل حسين الصلاحي، الذين نترحم عليهم ونتذكرهم بكل فخر واعتزاز مع كل شهداء الوطن الذين صنعوا الانتصار ضد جحافل الحوثيين التتار.