مقالات وكتاب
مستقبل المؤتمر الشعبي في اليمن
مستقبل المؤتمر الشعبي في اليمن
مصطفى النعمان
كتبت عدة مرات حول رؤيتي لمستقبل المؤتمر الشعبي العام، وهو التنظيم الذي أنشأه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في منتصف الثمانينات، وبقي ممسكا بمفاصله، متحكما في مخرجاته، مسيطرا على حركته الداخلية ومشرفا مباشرا على تشكيلاته العليا والوسطى، وحفظ ذلك للمؤتمر تواجدا اجتماعيا وسياسيا بعد ١١ فبراير ٢٠١١، ويجب الإشارة هنا إلى أن تركيبة مجلس النواب بقيت أغلبيتها مؤتمرية عدا نَفَر قليل فضلوا الانتقال إلى معارضة نظام صالح، ولمزيد من الدقة أصبحت المعارضة موجهة مباشرة للرجل، ولم يحدث أي تغير في النظام وبقيت كل هياكله وشخوصه موجودة من قمة الدولة إلى قاعها.
أربك غياب صالح المفاجئ المشهد السياسي، وقفزت إلى السطح تساؤلات كثيرة حول مستقبل التنظيم يصعب الإجابة عنها لأن القيادات التي يفترض بها تولي زمام القيادة مشتتة جغرافيا بسبب الحرب، والتواصل المستمر بينها ليس سهلا، ولكن الأكثر حساسية أن الضغوط التي تمارس في الصراع الدائر حول قمة المؤتمر تهدد كيانه وتشل من قدراته على التحرك واستعادة نشاطه مع أهمية الإشارة إلى أنه من غير الممكن أن يتجاوز سريعا تأثير غياب صالح عن الساحة، ولا يوجد من هو قادر حاليا على الظهور بقدرات استثنائية تعوض الفراغ، ولابد أن البحث عن قائد جديد سيكون عملية مستقبلية سيطول انتظارها ولربما يكون من المجدي اختيار قيادة جماعية بين الداخل والخارج مؤقتا إلى أن تتضح الرؤية.
من الطبيعي أن يمر المؤتمر بفترة لاستعادة التوازن المنشود، والخروج من «شرنقة» صالح، والبحث عن نهج جديد يغري قواعده وقياداته الوسطى أن يظلوا متمسكين بعباءة التنظيم، وهو أيضا محتاج بعد ذلك إلى إحداث خطاب إعلامي يراعي المتغير الكبير الذي أحدثه غياب زعيمه الذي تحول في أيامه الأخيرة من حالة انسجام مع الحوثيين إلى حالة القطيعة والخصومة (وإن لم تكن العلاقة بالعمق الذي صوره خصومه)، والتنبيه ضروري أن أغلب قيادات المؤتمر مازالت في الداخل ولا يجوز تعريضها للخطر أو حتى مطالبتها بمواقف قد تتعرض معها للقسوة التي يمارسها الحوثيون مع خصومهم، وستكون الأسابيع القادمة حاسمة في تحديد مسار المؤتمر الشعبي العام وآفاق عمله، ومن المنطقي أن الضغوط التي تتعرض لها قياداته لاتخاذ مواقف واضحة صريحة ستضعهم في وضع صعب للغاية، ومن المعروف أن لا أحد منهم شكك في «مفهوم الشرعية» باعتبارها حاضنة للجميع ولكنهم – وهو حق أصيل لهم – يختلفون مع ممثليها وأدائهم، وأنا على يقين بأنه من الممكن جدا التوصل إلى تفاهمات تزيح هذه المعضلة وتسمح باستعادة الحيوية والحركة.
كان وجود صالح على رأس المؤتمر – خصوصا بعد ٢٠١٥ – مصدر تباعد مع (الشرعية) التي لم تتمكن من التفاهم مع القيادات في الخارج التي ظلت على ولائها ووفائها له رغم كل الإغراءات، ومن الضروري ترك مساحة حركة بعيدا عن سيطرة وارتباك العمل الحكومي الذي يجب أن ينشغل على قضايا عموم البلاد، ولا يمكن أيضا إغفال أن حزب الإصلاح بالذات يرى في استعادة المؤتمر لنشاطه مسألة يسعى إلى عرقلتها باعتباره هو أكبر التنظيمات السياسية الموالية للشرعية، كما أن الدعوات لإيجاد تحالف بينه وبين المؤتمر الشعبي بقياداته الحالية – رغم افتراض حسن النية – لن تكون أكثر من مسألة احتواء لا شراكة، وهي في يقيني غير جادة، مثل عدم معقولية الحديث عن تشكيل (تحالف وطني بين الأحزاب المؤيدة للشرعية) الممثلة كلها في الحكومة فيصبح الحديث عنها مثيرا للاستغراب وغير مفهوم ولا منطقي.
على الذين يسعون إلى إدخال المؤتمر الشعبي في دائرة السيطرة الحكومية إدراك أن مثل هذا الأمر لن يحسن الأداء السياسي الضعيف بسبب صراع المصالح الخاصة، ومن الأجدى منح قياداته الفرصة لاستعادة النشاط الداخلي والخارجي على أساس توافق القيادتين.