بعد حظر قمح أوكرانيا.. دولتان عربيتان تترقبان كارثة
دخلت دولتان عربيتان؛ هما لبنان واليمن، مؤخرا، في دوامة غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية، من جراء حظر أوكرانيا وروسيا تصدير القمح خارج البلاد، وهو ما قد يهدد الأمن الغذائي لتلك الدولتين، فيما بقي الأردن آمنا.
ورغم البعد الجغرافي لأوكرانيا عن العالم العربي، لكن تأثير العملية العسكرية الروسية على هذا البلد امتد لبلدان عربية وسيكون قاسيا معيشيا عليها، خاصة إذا امتدت فترة طويلة.
وتعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، في حين أن أوكرانيا هي خامس أكبر مصدر وتوصف بـ”سلة الخبز في أوروبا”.
بوادر أزمة لبنان
ومن بين البلدان العربية المتأثرة بحظر القمح، يأتي لبنان، حيث قررت الحكومة، الخميس، رفع سعر الخبز وفرض قيود على تصدير المواد الغذائية.
وعزت الحكومة اللبنانية القرار إلى الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات التي تؤثر مباشرة في سعر الطحين وفي كلفة إنتاج الخبز، إلى جانب ارتفاع سعر القمح والسكر والزيت في الأسواق العالمية.
وقال وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، إن “كل المواد التي تدخل في تحضير الخبز ارتفعت، وأصحاب الأفران، يهددون بالإغلاق بسبب ارتفاع الأسعار”.
وعن أزمة توريد القمح يقول “لدينا مخزون لشهرين من القمح، وقد نزيد شهرا”، مضيفا “بلغتني تطمينات من الهند والأرجنتين وأميريكا، بوجود كميات هائلة من القمح لمساعدة لبنان، وسيكون هناك جزء منها كهبات”، وفقا لوكالة لبنان الرسمية.
ويستورد لبنان أكثر من 70 في المئة من حاجته للقمح من أوكرانيا فقط، في حين يستورد النسبة المتبقية من روسيا ودول أخرى.
وفي عام 2020، استورد لبنان من أوكرانيا أكثر من 630 ألف طن من القمح، أو ما يمثل 80 في المئة من حاجته الاستهلاكية، مرتفعاً من 535 ألف طن من القمح استوردها عام 2019.
وبالإضافة إلى أن لبنان يرزح تحت أزمة اقتصادية هي الأسوأ بتاريخه، تضرب البلاد أزمة مخزون استراتيجي من القمح.
وتلك الأزمة خلفها انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، نظراً لتهدم صوامع المرفأ التي كانت تتسع لمخزون يكفي هذا البلد نحو 7 أشهر، ويعتمد منذ سنتين على مخازن المطاحن التي لا تتسع سوى لكمية قليلة.
ويقول رئيس “تجمع المزارعين والفلاحين” في البقاع اللبناني إبراهيم الترشيشي، إنه على الحكومة أن تتخذ إجراءات لمنع تفاقم الأزمة؛ من بينها منع تصدير القمح اللبناني، وشراء القمح من المزارعين بالسعر الذي يتم فيه شراء المستورد، وفق صحف محلية.
تحذير من أزمة جوع باليمن
في المنحى نفسه، يستورد اليمن ما يقارب كل القمح الذي يحتاج إليه، ويأتي أكثر من ثلثه من روسيا وأوكرانيا، كما يعتمد بشكل كبير على الخبز، والذي يشكل أكثر من نصف السعرات الحرارية التي تتناولها الأسر العادية بالبلاد، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
كما يستورد اليمن سلعا غذائية وأساسية عديدة من أوكرانيا، سواءً عبر مؤسسات تجارية يمنية أو عبر المنظمات الإغاثية التي توزعها على النازحين والمتأثرين من حرب مليشيات الحوثي في اليمن.
واليمن أول بلد عربي تهدده المجاعة نتيجة استمرار الحرب منذ أكثر من سبع سنوات، ومع مخاوف من تفاقم أزمة الجوع وارتفاع أسعار الغذاء والتضخم الحاد، من جراء الأزمة الأوكرانية.
وبحسب ما أفاد برنامج الأغذية العالمي الأسبوع الماضي، فإن أزمة أوكرانيا ستزيد على الأرجح من أسعار الوقود والغذاء، خاصة الحبوب في اليمن.
ومنذ أشهر، تشكو الأمم المتحدة من نقص حاد في تمويل العمليات الإنسانية باليمن، مما أدى إلى تخفيض حجم المساعدات على ملايين السكان.
وخفض برنامج الأغذية العالمي منذ يناير الماضي، الحصص الغذائية التي يمنحها لثمانية ملايين من أصل 13 مليونًا يساعدهم شهريًا، وحذر من احتمال المزيد من الخفض.
كما حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يوم الجمعة، من أن النزاع في أوكرانيا قد يؤدي إلى تقلص إمكانية وصول اليمنيين لاحتياجاتهم الأساسية.
ورجحت اللجنة، في تقرير لها، أن يفضي هذا النزاع إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولا سيما تكلفة الحبوب، بالإضافة لارتفاع أسعار الوقود في جميع أنحاء العالم.
وقالت اللجنة “في بلد يتعرض فيه 16.2 مليون شخص للتهديد بفعل انعدام الأمن الغذائي، تزداد شدة الاحتياجات للغذاء والمياه على نحو خطير في محافظة تعز وغيرها من المناطق المجاورة التي تأثرت بشدة بالعنف المستمر”.
وأشار التقرير إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت على مدار العام الماضي في جميع أنحاء اليمن بشكل هائل، الأمر الذي ترك أكثر من نصف البلاد في حاجة إلى مساعدات غذائية.
كما حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، الجمعة، من انزلاق ملايين اليمنيين نحو المجاعة، في حال عدم اتخاذ إجراء عاجل.
وقالت المنظمة الأممية، في تغريدة “إن الأطفال في اليمن لا يتضورون جوعًا بسبب نقص الغذاء، ولكن لأن أسرهم لا تستطيع تحمل تكاليف الطعام”.
يقول المختص في الشأن الاقتصادي اليمني، ماجد الداعري، إن اليمن يعتمد على القمح والزيوت من أوكرانيا، كما يعتمد على القمح الروسي بنسبة تصل إلى 25 في المئة.
ويضيف أن عزل البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي للتحويلات “سويفت” سيضر بالتحويلات المالية التجارية الدولية للبنوك اليمنية، وقد يصل إلى إيقاف الواردات الغذائية من القمح والشعير والزيت والحبوب ومواد والنفط ومواد غذائية عدة.
الأردن آمن
أما الأردن، فأكدت حكومته أن لديه احتياطيا استراتيجيا من مادة القمح موجودا بالفعل، وتم التعاقد عليه مع مصادر غير أوكرانية يكفي لـ15 شهرا.
وقال مصدر مسؤول في وزارة التخطيط الأردنية، إن البنك الدولي أكد أن الأردن لديه مخزون كاف من الحبوب وآمن غذائيا ولم يتأثر جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، وفقا لوكالة “بترا “الأردنية الرسمية.
ووفقا لتقرير البنك الدولي، يوم الجمعة، فتم تصنيف الأردن بـأنه غير معرض لأزمة أمن غذائي.
ويضيف التقرير أنه يتم إنتاج حوالي 100 ألف طن متري سنويًا من الحبوب في المملكة “وهذا يعد ضمن المعدل الطبيعي في تصنيف البنك الدولي”.
وفيما أشار البنك الدولي إلى أن الأردن لديه مخزون استراتيجي ممتاز من الحبوب، يؤكد أن المملكة تغطي احتياجات السوق المحلي 15 – 18 شهرا من محصول القمح، فيما تغطي احتياجاتها من محصول الشعير لنحو 12 شهرا.
ورغم عدم تأثر البلاد بأزمة القمح التي تضرب 11 دولة بالشرق الأوسط، شهدت أسعار بعض السلع مثل الزيوت النباتية وبعض أنواع البقوليات والذرة ومادة الصويا ارتفاعا في السوق المحلي بالأردن.
وقال رئيس غرفة تجارة الأردن نائل الكباريتي، إن زيادة أسعار بعض أصناف المواد الغذائية وبخاصة الزيوت النباتية بالسوق المحلية، يعود إلى تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية إلى جانب تبعات أزمة وباء كورونا.
وقال الكباريتي، إن أسعار المواد الغذائية في بلاد المنشأ، بدأت تشهد ارتفاعات متلاحقة بالتزامن مع بدء جائحة كورونا وتعطل سلاسل التوريد التجارية وزيادة أجور الشحن، وتعمقت كثيرا منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
كما يقول مساعد الأمين العام للثروة النباتية في وزارة الزراعة الأردنية، محمود الربايعة، إن إجمالي مستوردات المملكة من روسيا وأوكرانيا تتجاوز 7 في المئة وتشمل الحبوب والزيوت، منوهًا إلى أن حجم التأثير يعتمد على وزن روسيا وأوكرانيا في الأسواق التصديرية.