طبشور أسود.. التعليم الحوثي بنظام الحوزات الشيعية
جزء من تحريف الحوثيين المناهج الدراسية وإدخال مفاهيم تعبويه
يتصدر تدمير المنظومة التعليمية التربوية أولويات ما يمكن وصفه بــ”برنامج الدمار الشامل”، للحركة الحوثية التي في اليمن ولا تترعرع وتنمو إلا في بيئة مؤثثة بالجهل والأمية والخرافة.
يرتكز هذا البرنامج التدميري على موروث تاريخي وخبرة سياسية مشجعة، من عهد الحكم الإمامي البائد، أي أن التدمير الحوثي للتعليم يتم حاليا بأثر رجعي متحفز ضد الحاضر والمستقبل، حيث نجحت سياسة التجهيل الممنهج التي اعتمدها طواغيت الإمامة الثيوقراطية في الإبقاء على دورة التسلط السلالي نشطًا لقرون متواترة من الزمن، ولا ينسى الحوثيون دور النخبة المتعلمة العائدة من الأكاديميات العسكرية الخارجية في القيام بثورة 26 سبتمبر 1962 التي قضت على عهد الطغيان السلالي الكهنوتي.
تدمير المبنى والمعنى
عدا المدخلات الطائفية التي لوث بها الحوثيون نصوص الكتاب المدرسي بمنهجة أفكار الطائفة في ملازم حسين بدر الدين الحوثي داخل النص التعليمي الرسمي في مدارس صنعاء ومحافظات الضاحية الشمالية الخاضعة لإدارة الحاكم العسكري الإيراني حسن إيرلو، فثمة عملية تجريف عميق تجري على خفاء في صلب المعنى التعليمي للمؤسسات العامة والخاصة، وعقول الملتحقين بمدارس ومعاهد وجامعات الجمهورية، وحتى روضات الأطفال.
أما المبنى التعليمي فقد طالت جرائم القصف البالستي والمدفعي المئات من المدارس، وتعرضت أضعافها لعمليات الإفراغ من المحتوى أو ما يعرف بإحلال “النقيض الوظيفي للمكان”، إذ اتخذ الحوثيون كثيرًا من المباني التعليمية ثكنات عسكرية ومعسكرات تدريب ومخازن أسلحة وغرف عمليات لإدارة عملياتها الحربية وتجنيد المقاتلين، بخاصة الأطفال والتلاميذ القصر.
وعلى مدى سبع عجاف من جائحة الحوثيين نهاية سبتمبر 2014 لم نسمع عن أية عملية ترميم من قبل الحوثيين لمدرسة مدمرة بأيديها، وهي تمنع أية مبادرات مجتمعية تهدف لبناء مدارس على نفقة مواطنين أو تمويل مؤسسات خيرية وإنسانية.
قطع الراتب.. ضربة معلم
في أغسطس 2016 قطع الحوثيون رواتب ما يقارب مائتي ألف معلم يمني، دونما مبرر.
كان الحوثيون قد قطعوا شوطًا في استبدال كشوف وظيفية جديدة بكشوف الخدمة المدنية 2014؛ الكشوف المعتمدة رسميا في عهد دولة ما قبل الجائحة الحوثية، وأجرى الحوثيون عملية حوثنة شاملة في الجهاز الإداري والوظيفي داخل القطاع التعليمي والتربوي ومؤسسات التعليم العالي، منذ الوهلة الأولى لسيطرتهم على مفاصل الدولة بالعاصمة صنعاء.
ورغم كل المبادرات الدولية المطروحة على طاولة صرف رواتب المعلمين، حرص الحوثيون الذين صادروا موازنة الرواتب الشهرية لموظفي الدولة على إفشال أية مبادرة من شأنها حصول المعلمين على حقوقهم المالية، ونهبوا ما يزيد على 60 مليار ريال يمني، كانت مودعة في فرع البنك المركزي بالحديدة في حساب رواتب المعلمين الخاصة، وفقا لاتفاق رعته الأمم المتحدة بين الشرعية والحوثيين، حول آلية صرف الرواتب من عائدات الرسوم الجمركية لميناء الحديدة، الخاضع لسيطرة الحوثيين.
التجهيل عبر التعليم
استحدث الحوثيون نظاما تعليميا تعبويا دخيلا لا يمت بصلة إلى بنية التعليم الرسمي، بمكتسباته الجمهورية الممتدة لأكثر من نصف قرن من عمر اليمن الحديث، يقوم نظام التعليم الحوثي على تكريس بروباجندا الخطاب الطائفي الأحادي والعنيف كمقررات رئيسة تطغى على مجمل النص التعليمي الجمهوري، المقر في الكتاب المدرسي، وهذه ليست إلا خطوة أولى في برنامج التجريف الجذري للمنهج الدراسي الحديث، الذي أنجز على يد خبرات متخصصة في يمن وحدة 1990.
أما الخطوة الثانية فقد تتمثل في إلغاء مواد هامة وأساسية بحذافيرها واستبدال ملازم حسين بدر الحوثي بها، عبر مأسستها كمقررات رئيسة يتحدد بنتائج اختباراتها السنوية مستقبل الطالب بين نجاح أو فشل، والأخطر من هذا هو الخطوة الثالثة في إقرار الحوثيين التعليم في مدارس سيطرتهم بنظام الحوزات الشيعية والكتاتيب البدائية.
إيرلو يذهب إلى المدرسة
في لقاء المندوب الإيراني بصنعاء حسن إيرلو والمشرف الأعلى على التعليم الحوثي يحيى بدر الدين الحوثي، شقيق زعيم الجماعة، وقع الطرفان -أواخر نوفمبر- اتفاقية تطوير آليات التعليم في اليمن وتبادل العلاقات والخبرات الثنائية، على هذا الصعيد، هو اللقاء الأول من نوعه بعد أن اقتصرت مهمة المندوب الإيراني الذي استقدم إلى اليمن العام الماضي على إدارة العمليات العسكرية والعدوان الحربي على مأرب، وزياراته لأقسام النساء للمستشفيات الحكومية التي استفزت مشاعر اليمنيين.
وليس مستبعدًا أن يمضي الحوثيون بعيدا في إطار تطوير آليات التعليم على الطريقة الإيرانية، وهناك من يتحدث عن نية استقدام الحوثيين معلمين إيرانيين والتعاقد معهم بالعملة الصعبة، لتلقين التلاميذ والطلبة اللغة الفارسية، بعد إقرارها مادة دراسية مركزية في المنهج التعليمي، وكانت مليشيا الحوثي التي سيطرت على إدارة القرار في جامعة صنعاء، ومختلف الجامعات الأهلية أقرت تدريس اللغة الفارسية ضمن المنهج الجامعي، مقابل إزاحة مواد مقررات رئيسة إلى الهامش، في أقسام التاريخ والدراسات الإسلامية وغيرها.
النشيد الجمهوري.. شعار الصرخة
تظهر مقاطع فيديو مسربة من مدارس السيطرة الحوثية المسافة التي قطعتها المليشيا في إنجاز خطوات برنامج التدمير الشامل للتعليم، تعلو الصرخة الخمينية في طوابير الصباح وداخل الفصول في المدارس الملطخة باللون الأخضر، بينما يخفت صوت النشيد الوطني ويتوارى اسم اليمن تماما في يوميات الإذاعة المدرسية، التي باتت نسخة مصغرة لقناة المسيرة الحوثية والخطب الحوثية المنبرية.
ورغم ذلك ما زالت شرارة من روح الجمهورية تتأجج وتتوهج في صدور الطلاب والطالبات، فحفلات التخرج الجامعي التي تبنى الحوثيون بعضها بالتغطية المباشرة من قنوات إيرانية، وجرى خطابها الاحتفالي باللغة الفارسية، مع الترجمة الفورية لها إلى اللغة العربية، قوبلت بحفلات تخرج صادحة بألحان الموروث الفني والإبداعي لصوت اليمن الجمهوري من أغان وأناشيد وطنية.
كما أن ملمحًا من ملامح الثورة الطلابية هو ما حدث في مدرسة بنات، صدحت فيها بهتاف: بالروح بالدم نفديك يا يمن، رفضا لأوامر مشرف حوثي بترديد الصرخة الخمينية، ما اضطره لمحاولة إسكات أصواتهن بالرصاص، دون جدوى، أما في ثانوية ” الكويت ” في قلب العاصمة صنعاء فقد رأينا كيف كان رد الطلاب على أمر ترديد الصرخة برمي الأحذية في وجه محمد علي الحوثي الذي لم يزر بعدها أية مدرسة.
أحدث الإحصائيات
دمر الحوثيون 460 مدرسة بشكل كامل، بقذائف مباشرة، فيما ألحقت أضرارا جزئية بأكثر من 2500 مدرسة، واستخدمت منها لأغراض عسكرية، ووفقا لمنظمة إنقاذ الطفولة أجبر هذا التدمير 400 ألف طفل على ترك المدرسة، وتشير تقارير أن الميليشيا الحوثية حرمت أكثر من 40 في المائة من السكان اليمنيين دون سن الـ 14 من التعليم، وأوقفت الميليشيا صرف رواتب 170,600 معلم – ثلثي عدد المعلمين في اليمن- للعام السادس.
ولا تعني هذه الأرقام سوى أن الحوثيين قضوا فعليًا على خمسة عقود من منجزات التعليم الجمهوري في اليمن، وإن البلاد تنحدر بسرعة نحو الأمية المُقنّعة بعمائم التعليم الشيعي الزاخر بالميثولوجيات الشعبية والإسرائيليات الأساطيري.