عدن لا خيار ثالث !!
محمد علي محسن
الحقيقة مؤلمة ، صادمة ، مُضرّة ، مُستفزّة ، لكنها أهون من التضليل أو الكذب الذي يمكنه قتل أمّة واستباحة قوانينها ونواميسها وتعايشها ، بمغالطات واباطيل لا تنتهي .
صدقًا أقول لكم لا تتعبوا ذاتهم في البحث عن حلول لمشكلاتكم الحياتية في ظل غياب الدولة ، وفي حضرة المليشيات المسلحة ، وفي كنف سلطات متضادة فكريًا وذهنيًا وسياسيًا ، وفي مساحة واحدة وفي بلد واحد . فمثل هذه الحالة الموجودة الآن في عدن وجوارها يستحيل أن تؤسس لبناء وتنمية ، ما بقيت الاضطرابات سائدة فيها وبلا منتهى .
فمن أجل تعافي هذه المحافظات المحررة من مشكلاتها وأزماتها المتفاقمة يستلزمها وضعًا مستقرًا سياسيًا ، ودون هذا الإستقرار السياسي ، يصير الحديث عن تنمية واستثمار وإعادة إعمار وحقوق وحريات مجرد لغة عبثية لاهية للنَّاس ، إذ أن فقدان الإستقرار يعني بؤرة مضطربة على الدوام .
المسألة لا تحتاج إلى ذكاء وفطنة ، فهي بديهية ومن المسلمات التي لا تستوجب النقاش أو الجدل ؛ فالحقيقة المؤلمة هي إنَّه ما من دولة في اليمن ، إذ أنَّ الحرب أسقطت ما بقي من سلطة ومؤسسة وهيبة ونظام ، وعلى هذا الأساس يجب استعادة الدولة ومؤسساتها إلى المحافظات المحررة .
للأسف الشديد كانت الفكرة الطاغية هي استعادة الدولة الجنوبية على ما دونها من أفكار واقعية داعية لاستعادة الدولة اليمنية اولًا وقبل أي شيء أخر . وفكرة استعادة دولة الجنوب وفي ظرفية يسودها الاضطراب وتستحكم بها ادوات الحرب ، أعدها فكرة متهورة ، مضللة ، خادعة ، وأن جذبت واستقطبت الكثير من الأتباع ، ففي المحصلة لابد من كيان دولة ، فلكي تستقيم الأمور ينبغي توافر الدولة كشرطية وحتمية يصعب القفز عليها ، وتجاوزها معناه وضع العربة قبل الحصان .
المتأمل في نتائج ستة أعوام من التحرير ، سيجد ذاته في دائرة مغلقة ، فالأعوام الماضية تم استنزافها في معارك ثانوية بعيدًا عن المعركة الأصل والمتجسدة باستعادة الدولة اليمنية .
وإذا كان هنالك من نتيجة إيجابية حدثت خلال الأعوام الستة الفارطة فهي إثباتها لسقوط كلا الفكرتين ، فلا تم استعادة دولة الجنوب رغم سيطرة القوى الناشدة الاستقلال أو التحرر ، أو أنه تم استعادة الدولة اليمنية المتجسدة في مؤسستي الحكومة والرئاسة . ما يعني أننا لا رأينا بلح الشام أو ذُقنا عنب اليمن .
كان رئيس الوزراء الأسبق خالد بحاح أكثر واقعية وبرجماتية . كان حديثه منصبًا في معركة تحرير لكامل اليمن اولًا ، ومن ثم توضع كل القضايا على طاولة الحوار ، وهو بذلك قصد أطرافا جنوبية فاعلة ومؤثرة في الحرب .
وقد نختلف أو نتفق مع الرجل ، لكن تقديراته كانت واضحة وملامسة لعضال الأزمة ، فلم يتخط عتبات المُتاح والممكن ، أو يصطدم بجدار من الممانعة ، ومع إمساكه العصا من وسطه ، ذهب وذهبت توافقاته التي لم يعرها أحدًا إهتمامه . انتقل شركاء الحرب والتحرير إلى حلبة نزال ، فكل طرف أخذ يقوي جبهته ويعزز نفوذه ، دونما استشعار بماهية المسؤولية الوطنية والأخلاقية الملقاة على كاهلهم جميعًا ودون استثناء ، فالواقع الكارثي المشاهد الآن هو نتيجة طبيعية لتلك المعارك الثانوية المنهكة . وتزيد المأساة أنها وإلى اللحظة الراهنة مازالت قائمة ومستمرة ولا يبدو أنها ستتوقف ما بقيت صنبورة المال والسلاح متدفقة لفرقاء الجبهة الواحدة .
نعم ، لكم قُلنا مرارًا ، أن فرض التجزئة بادوات عنيفة لا يختلف عن فرض الوحدة بقوة السلاح ، وهذا ما لم يتعلمه الجنوبيين الذين اندفعوا خلف ساسة صنعتهم الضرورة وابرزتهم الحاجة والرغبة والمعاناة الطويلة ، أيضًا . فما هو عقلاني وموضوعي أن تكون المكونات الجنوبية ، ضمن السلطة الشرعية – وعلى مساوئها وعثراتها أو اختلاف نهجها وأدواتها – لكنها ومع الأسف راحت ناشدة دولة مستقلة وفي وقت حرج واستثنائي وقاتل لفكرتي التجزئة والتوحد على حد سواء .
فسبب الأزمات المتتالية كامن في سوء التقدير وبمحاولة فرض رؤية سياسية مختلفة ومتضادة كليًا مع رؤية الإقليم والعالم لأزمة الدولة اليمنية المنقلب على سلطتها الشرعية اصلًا ، ولو برتوكوليًا ودبلوماسيًا ؛ ففي النهاية هي السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا ، ولولاها لما تدخل الخليج أو تحررت مساحة أو محافظة .
للأسف هنالك من لم يستوعب بعد المعطيات الطارئة ،فالبلد حصلت فيه متغيرات مهولة ، ما يستوجب التعاطي معها بادوات وخطاب وطني عقلاني نفعي لا ينتمي لحقبة الرئيس الأسبق صالح ، أو تتمدد جذوره لتواريخ ماضوية إلى ما قبل استقلال الجنوب أو بعده . الرئيس هادي في الرياض ومنذ سنة أعوام ، فيما حكومته إن عادت ومكثت شهرًا في عدن فإنَّها لم تجد مساحة تُنفذ إليها ، وبرغم الأزمة وتجلياتها المأساوية على الجنوبيين أنفسهم ، هنالك ثمة عناد وإصرار عجيب للمضي في ذات المنوال المنهك وبلا أدنى أكتراث للنتائج .
وخلاصة القول لا يوجد خيار ثالث ووسط ، فأمَّا أن تكون عدن عاصمة مؤقتة لليمن ، وبكل ما تعني العاصمة المؤقتة من مترتبات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية ، وأمَّا أن تكون عدن عاصمة الدولة الجنوبية المنشودة ويتحمل الانتقالي وكل دعاة الاستقلال أو استعادة الدولة في الوقت الحاضر نتائج فعلهم السياسي .