صناعة الفشل في قطر.. قصة أمير
على متن طائرة خاصة وبصحبة طاقم خدم وثروة لا حدود لها وصل خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني شقيق أمير قطر إلى مدينة لوس أنجلوس الأمريكية قبل 9 سنوات لنيل شهادة جامعية.
كان محل الأمير القطري بفندق بيفرلي ويلشاير، حيث عاش حياة قلة قليلة فقط من الطلاب الجامعيين يمكنهم تخيلها، بحسب تقرير لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية.
وعندما تخرج خليفة، (28 عامًا الآن)، من جامعة كاليفورنيا الجنوبية (USC) عاد إلى الشرق الأوسط وأصبح ضابطًا في قوة الأمن الداخلي، لكن حياته العملية تنحصر في السفر عبر العالم على متن يخوت ملكية والقفز بالمظلات ومداعبة أشبال النمور الآسيوية.
ورغم انقضاء سنواته الدراسية في سلام يبدو أن المستقبل يحمل للأمير المتخم برغد العيش ما يعكر الصفو، إذ بدأ المدعون الفيدراليون في بوسطن تحقيقات بشأن القبول بجامعة كاليفورنيا الجنوبية وغيرها من الجامعات الأمريكية على خلفية فساد باتت رائحته تزكم الأنوف.
وفتحت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” ملفات الأمير القطري المرشح الأبرز للسقوط في بئر تحقيقات الفساد الجامعي.
أموال قطرية
منذ اللحظة الأولى التي غادر فيها آل ثاني الطائر، توفرت أمامه كل المتطلبات الاقتصادية لتلبية رغباته ونزواته، من سائقين، ومدربين، وممرضة، وحتى طالب دراسات عليا عمل معه بصفة “خبير أكاديمي”، بحسب أعضاء بهيئة تدريس الجامعة الأمريكية.
وقبل أن يبدأ الأمير فصوله الدراسية، رتب أحد المليارديرات لقاءً خاص بين رئيس الجامعة ووالدة الأمير، وبمجرد وصوله، غمرته المؤسسة بمعاملة خاصة، فقد كان مسموحًا له التغيب عن المحاضرات لـ”أسباب أمنية” مريبة باعتباره طالب جامعي، ثم تلقى شهادته الجامعية عن فترة حصل خلالها على الكثير من العطلات في أوروبا دون أن تطأ قدمه أبدًا أرض الحرم الجامعي.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن مساعديه بذلوا جهودًا غير عادية في محاولة إبقائه سعيدًا، من خلال تزوير المستندات، وخرق قواعد الجامعة، ومنح تمثال من الذهب على شكل جمل إلى عميد جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، فضلًا عن ساعة رولكس إلى أحد الأساتذة، وحتى أن سجلات الحسابات والمقابلات تشير إلى شراء هدية بقيمة 500 دولار لموظف بإدارة المرور في محاولة لتأمين الحصول على لوحة سيارة.
ولم ترد حكومة قطر على طلبات إجراء حوار مع الأمير، حتى أن المحامي الذي يمثله، ديفيد كيكو لم يجيب عن عشرات الأسئلة المرسلة إليه كتابيًا، لكن قال في خطاب إلى “لوس أنجلوس تايمز”: “أظهر بحثك حتى الآن شكوك وافتراضات ومستويات عدة من الشائعات حول أمور حدثت منذ سنوات، هذا إن حدثت في الأساس.”
وهذا الأسبوع، قال المتحدث باسم الأمير ماكس شولكلابر إن الأسئلة التي أثارتها الصحيفة كانت غير مراعية من الناحية العرقية، “إن لم تكن تعصبًا صريحًا”، في محاولة للعب على وتر الاحتجاجات التي أثارها مقتل جورج فلويد الأمريكي من أصل أفريقي.
أسباب غير واضحة
أراد الشقيق الأصغر لأمير قطر شيئًا مختلفًا، وهو تعليم جامعي بمدينة لوس أنجلوس، وقد بدأ إقامته الأكاديمية في فبراير/شباط عام 2011 في مكان بعيد عما يمكن تخيله في كلية “لوس أنجلوس ميشين كوليدج”، التي يعتبر 60% من طلابها يعانون “انعدام الأمن الغذائي”، وأكثر من واحد بين كل 10 مشردين.
وأشارت الصحيفة إلى أن سبب اختيار الأمير للكلية غير معروف، خاصة وأنه يبعد عن فندقه بيفرلي ويلشاير 25 ميلًا، وهناك العديد من الكليات الموجودة قربه وتقدم نفس المواد الدراسية.
وقالت “لوس أنجلوس تايمز” إن الأمير نادرًا ما كان يحضر إلى صفه، بحسب سائقه السابق مارتن أجابوس وموظف آخر تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
وعندما وصل الأمير القطري لعامه الثاني بالكلية، تواصل كريس جليسون المدير التنفيذي بالفندق مع جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، وأخبر أحد مسؤولي الإدارة بأن ابن أمير قطر مهتم بالعلوم السياسية، وحال تمكنت الجامعة من اللعب بأوراقها بشكل صحيح يمكنها أن تحصل على تبرع سخي، بحسب رسالة بريد إلكتروني كتبها المسؤول بعد ذلك.
ولم يكن هذا اقتراح غريب تمامًا؛ فتحت قيادة والدة الأمير، منحت قطر أكثر من مليار دولار إلى الجامعات الأمريكية، الأمر الذي جعلها أكبر ممول أجنبي للتعليم العالي في الولايات المتحدة.
وتمكن جلي من الاتفاق على عقد مقابلة مع عميد كلية العلوم الاجتماعية أليساندرو دورانتي، ثم ذهب إلى مكتبه بصحبة معاونين آخرين يحملون معهم تمثال على شكل جمل مصنوع من الذهب إلى جانب هدايا أخرى، وأرادوا وعدًا بإدخال الأمير الكلية.
وواصل ممثلو آل ثاني محاولتهم لمدة ساعة لإقناع العميد، قائلين له: ” سموه لا يحب سماع كلمة لا”، لكن رفض تغيير موقفه، إذ أنه ليس مسؤولًا عن تسجيل الطلاب بالجامعة، وقد دفع هذا الأمر القطريين إلى تغيير دفتهم ناحية جامعة كاليفورنيا الجنوبية.
لكن لم يبد الأمير القطري حماسًا كبيرًا لدراساته هناك، طبقًا لأشخاص عملوا لصالحه، وأمضى وقتًا طويلًا في جناح الفندق، يلعب ألعاب الفيديو، وممارسة الرياضة مع مدربه، بحسب موظفين سابقين.
وقالت “لوس أنجلوس تايمز” أن التفسير الوحيد للنجاح الأكاديمي للأمير القطري هو علاقته بطالب دراسات عليا كان يقدم له يد المساعدة في دراسة العلوم السياسية خلال أول فصل دراسي بجامعة كاليفورنيا الجنوبية